كنت أراقبها بصمت عند المحاسب، كانت أمامي/فتاة ثلاثينية تحمل على ذراعها طفلا صغيرا عمره لا يتجاوز الثمانية أشهر كما أعتقد، تحاسب عن علبة حليب وزجاجة رضاعة وحفائظ للصغير، وتقبض يدها على مبلغ من المال. حسابها تجاوز المئة ريال، فأعادت زجاجة الحليب، وأخبرها المحاسب بالسعر الجديد، لكنها أعادت الحفائظ أيضا، لتبقي على علبة الحليب التي بلغ سعرها خمسة وسبعين ريالا، دهشت مما رأيت؟ كنت أظن أن الطفولة بخير، فأي عيد هذا الذي يخيّر فيه الطفل بين أن يشرب زجاجة حليب، أو أن يلبس ثوبا جديدا؟
ثم يأتي المنظّرون، ليطلبوا استبدال عملة النصف ريال بقارورة ماء لعامل النظافة في الشارع، مع أنه بالإمكان وضعها في صندوق التبرعات.
من يريد أن يتصدق، فليأخذ من خيار ماله، وليس ما زاد عن حاجته، وليكن من الذين امتدحهم تبارك وتعالى في سورة الحشر: (يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
هذه السيدة ليست بحاجة إلى نصف ريال، وليست بحاجة إلى كيلو جرام أو اثنين من اللحم في يوم العيد، بل هي بحاجة إلى خمسة وسبعين ريالا في كل أسبوع، لتؤمن على حياة ابنها وغذائه، دعوني أتساءل أيضا عن الاستطباب والدواء، مستشفياتنا الخاصة تتاجر بنا، لا فرق بين من يملكون المال ومن لا يملكونه، والمستشفيات الحكومية وإن شخصت الداء، أعاد إليك الصيدلي الوصفة الطبية ليخبرك، أن الدواء الموصوف من قبل الطبيب لا يوجد في صيدلية المستشفى، عليك أن تشتريه من صيدلية خارجية، وعليك أن تدفع قيمة الدواء مهما بلغت وإلا فلن تشفى، هذا إن كان الطبيب حاذقا فلم تضطر إلى تغيير الدواء والدفع أكثر من مرة. حتى تصل إلى العلاج الصحيح. لتأخذ الجهات المعنية وقتها الطويل والمرهق جدا على طفل ينتظر رضعته بفارغ الصبر.. يجب أن نقدم ما نستطيعه لطفولة محتاجة، عيدها في تأمين احتياجاتها الأساسية.
وكل عام وأنتم والطفولة بألف خير.