من منطلق إحساسها بالمسؤولية العظيمة أمام العالم، والعالم الإسلامي على وجه الخصوص، تحرص المملكة العربية السعودية على تقديم أفضل الخدمات والتسهيلات لحجاج بيت الله الحرام. وهذا ما دأبت عليه منذ البداية. فالتوسعات الكبيرة التي مرت على الأماكن المقدسة بداية من المسجد الحرام بمكة المكرمة، مرورا بعرفات ومنى وجسر الجمرات وانتهاء بالمسجد النبوي بالمدينة المنورة خير شاهد على ذلك الاهتمام الواضح من قبل الدولة.

ولقد كان لكل تلك الجهود أثرها على عمليات سير الزائرين لها. كما حرصت حكومة المملكة على الاهتمام بالجانب الأمني الذي يُعد أهم عوامل نجاح الفريضة؛ فالأمن يمكن الحاج من تأدية مناسكه بكل طمأنينة. ولو نظرنا ـ بقليل من التمعن ـ فيما وفرته الدولة من معدات وتقنيات عالية، وأفراد أمن يزيد عددهم على مئة ألف رجل، هيأتهم لراحة الحجيج وأمنهم، لعرفنا حجم الجهود المبذولة من قبل الدولة، فعندما تعلم أن في المسجد الحرام فقط (120) فني إسعاف، و(30) طبيبا، و(500) متطوع من الرجال والنساء، موزعين على (30) موقعا في الحرم المكي. خلافا للمعدات الطبية وكاميرات المراقبة وخدمات الاتصالات، وحين تعلم أن جيشا كبيرا من رجال الأمن والأطباء الذين بلغ تعداد الأخصائيين منهم (320) متخصصا، ورجال الإسعافات الأولية والكشافة يحرسونك ويقومون على أمنك ورعايتك ستشعر بكل الطمأنينة حتما. وحين تعلم أنه تم إجراء (35) عملية قلب مفتوح أثناء حج هذا العام، و(60) عملية قسطرة، وأن (400) حاج أدوا مناسكهم تحت إشراف طبي.

وعلى الرغم من ذلك وفي الوقت الذي تبذل فيه المملكة العربية السعودية جهودا جبارة وعظيمة ?حتواء ا?عداد الهائلة من حجاج بيت الله الحرام. والتي تقدر سنويا بالملايين من البشر، يقصدون بيت الله تعالى طلبا لرحمته ومغفرته. نتفاجأ بظهور بعض العوارض التي تعكر أحيانا صفو احتفالنا بنجاح هذه الشعيرة ا?ساسية المقدسة. نتيجة ما يحدث من اجتهادات فردية مخالفة تبدأ بنوايا فردية ثم تنتهي جماعية، بطريقة ? تتماشى حقيقة مع قدسية الفريضة وروحانيتها.

فيما مضى كنت أعتقد أن الحج ليس أكبر تجمع بشري لتأدية طقوس دينية في العالم، لكنني وقبل أيام شاهدت تقريرا على إحدى القنوات العالمية يتحدث عن نجاحات المملكة في السيطرة على عملية تفويج تلك ا?عداد الكبيرة من الحجاج فيما بين ا?ماكن المقدسة، وقد وصفها التقرير بل وأكد على أنها أكبر تجمع بشري على مستوى العالم بأسره، وقد تجاوزت كل التجمعات البشرية الدينية الأخرى.

لقد أشعرني ذلك بالفخر كثيرا. يحدثني الوالد الحاج علي سالم الرازحي وهو حاج سابق بقوله: "أتذكر أنني حججت أول حجة لي وأنا في شبابي بمبلغ (500) ريال فقط، وكانت الرحلة إلى مكة المكرمة مرهقة وصعبة جدا، أما اليوم فإنه لا مقارنة بين الأمس واليوم على كل المستويات. فالتطوير الذي قامت به الحكومة السعودية للأماكن المقدسة تعجز عن وصفه العبارات، ولكن كثيرا من الناس ? يدركون حجم تلك القفزة التي حدثت، ولا يعلمون ـ بكل أسف ـ أهمية التنظيم الذي تعتمده الدولة وتطبقه فيما يخص تحديد نسب الحجاج من دول العالم، أو من السكان المحليين في المملكة. ودون روادع قوية سيستمر تهريب حجاج الداخل بالذات، وسيستمر هذا التجاوز ?نظمة الحج الذي يتسبب في أذية بقية حجاج بيت الله الحرام".

حديث طويل دار بيني وبينه عرفت من خلاله الكثير من الفوارق فوق ما كنت أعرفه، وقد شعرت بذلك وأنا أشاهد الأمير خالد الفيصل أثناء تصريحه ببلوغ عدد الحجاج لهذا العام أكثر من ثلاثة ملايين وستمئة وسبعين ألفا، وأن ذلك قد تجاوز العدد المتوقع، وأن ذلك يدل على أن هناك زيادة في عدد الحجاج غير المصرح لهم بالحج. وكذلك تصريح وكيل إمارة مكة المكرمة الذي قال فيه "إن (250) ألف حاج قد دخلوا إلى منى خلال ساعة واحدة فقط".

ما حدث من أخطاء لم تكن ـ في الواقع ـ نتيجة تقصير في الخدمات أو الخطط المعتمدة لموسم الحج، ولكنه نتيجة قلة الوعي العام بما تقوم به الدولة من أجل سلامة الحجيج وإنجاح موسم الحج، واختلف ـ بشكل ما ـ مع بعض الكتاب الذين ذهبوا لتحميل بعض الجهات وبعض المسؤولين ـ جملة وتفصيلا ـ مسؤولية ما حدث من الأخطاء، إذ على الرغم من ذلك نجح موسم الحج لهذا العام حتى في ظل الاختراق الذي قام به البعض لقوانين تصريحات الحج. وأحمل أولئك الذين لم يلتزموا بما أقرته الدولة جزءا كبيرا من المسؤولية، بداية من أذية إخوانهم من الحجاج وانتهاء بالتزاحم على قطار المشاعر، فلا بد من نشر الوعي بالقدر الكافي الذي يضمن استيعاب المجتمع لأهمية المساعدة والتعاون من أجل حج آمن وناجح.