كنت في كابول الصيف الماضي عندما أذاعت محطة الإذاعة المحلية أغنية بناء على طلب أحد المستمعين، انسابت نغمات ناعمة لصوت نسائي جميل يغني بلغة الباشتون وملأت الغرفة التي كنت أجلس فيها. مرافقنا، واسمه لطيف، ذهب إلى الراديو ورفع الصوت، وفيما كان يردد كلمات الأغنية بصوت منخفض، امتلأت عيناه بالدموع والحزن. تمتم وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يتحدث إلي "كانت مثل بلبل... قتلوها... طالبان قتلوها. لم يستطيعوا أن يتحملوا صوتها وجمالها".

بحثت عن اسم المطربة القتيلة، غزالة جواد، على شبكة الإنترنت، تبين لي أنها قتلت قبل شهرين من ذلك الوقت، في يونيو. عندما رأيت صور جثتها اعتصر الألم قلبي، عيناها الجميلتان كانتا مغلقتين مثل جناحي فراشة، كان عمرها 24 سنة فقط، وكان ذنبها الذي لا يغتفر أنها جعلت الناس يسمعون صوتها وكانت من أنصار السلام في منطقتها المضطربة، وادي سوات في باكستان.

غزالة وعائلتها هربوا من وادي سوات في 2009 إلى بيشاور (في باكستان أيضا) بعد أن سيطرت حركة طالبان على شمال غرب سوات، وجدوا ملاذا آمنا في بيشاور، وهناك انطلقت شهرة غزالة لدرجة أنها كانت تستعد لإقامة حفلة في لندن عندما قتلت.

لكن صوتها الجميل لم يكن الاستثناء الوحيد الذي ميزها، كانت معظم أغانيها تتركز على السلام في باكستان.

في 2010، عندما علمت أن زوجها كانت متزوجا امرأة أخرى في السر، طلبت الطلاق منه في المحكمة وحصلت على طلبها، رغم أن حياة المطلقة في مجتمع محافظ كانت صعبة جدا. في 19 يونيو 2012، أطلق رجلان على دراجة نارية النار بغزارة على السيارة التي كانت تركبها مع والدها وقتلاهما.

المحاولة التي قام بها عناصر من طالبان لقتل الطالبة ملالا يوسف زاي، التي لم تتجاوز 14 عاما من العمر، في سوات فالي أيضا هزت باكستان والمنطقة والعالم، فقد صعد ملثمون إلى حافلة المدرسة التي كانت تستقلها ملالا مع زميلاتها واستهدفوها بشكل خاص وأطلقوا عليها النار في رأسها ورقبتها، متحدث باسم طالبان أكد أن الحركة استهدفت ملالا لأنهم اعتبروا مطالبتها بحقوق التعليم نوعا من "الفحش".

بعيدا عن العالم المتحضر، لا تزال هناك أماكن تقتل فيها الفتيات لأسباب بسيطة مثل الذهاب إلى المدرسة. في أماكن ليس هناك سيادة للقانون فوق العادات القبلية لأنها بعيدة لدرجة لا تستطيع الحكومة فرض سيطرتها عليها، يكثر المجرمون والمتطرفون تحت ستار الشريعة الإسلامية.

لقد سافرت إلى أفغانستان كثيرا كصحفية، وباستثناء المرات التي وجدت فيها نفسي عالقة وسط معارك حقيقية، لم أشعر مطلقا أنني معرضة لخطر مباشر، ولكن في كل زيارة قمت بها إلى باكستان كنت أشعر بعدم الأمان، الصحفيون الذين يغطون المنطقة يعرفون أين يكمن الخطر الحقيقي وبعض مناطق باكستان أكثر خطرا من أفغانستان بكثير.

ما حدث للفتاة الباكستانية ملالا لن يكون آخر محاولة، بغض النظر عن عدد الأشخاص الذين سيدينون تصرف طالبان أو حتى إذا وضعت باكستان جائزة بقيمة 10 ملايين روبية للحصول على معلومات تقود لاعتقال المسلحين الذين أطلقوا النار على ملالا. السياسيون الذين لهم علاقة بأفغانستان يعرفون أن الوضع سيكون خطيرا خاصة بما يتعلق بحقوق المرأة وحقوق الإنسان بعد مغادرة القوات الأمريكية للبلد في 2014. من المعيب أنه بعد 12 سنة من الحرب على الإرهاب والتطرف، لا يمكن ضمان حقوق أساسية مثل التعليم المجاني للبنات والأولاد.

الأفغان ستكون مشاكلهم أقل لو أن مقاتلي طالبان باكستان امتنعوا عن عبور الحدود وتوقفوا عن التدخل في أمورهم. لكن أحد أهم الأسباب التي جعلت حركات التمرد والتطرف تتمكن من الاستمرار هو الملاذ الآمن الذي تتمتع به في باكستان.

غزالة وملالا ليستا الوحيدتين اللتين قتلتا في هذه المنطقة. حركة طالبان قتلت الكثيرين بسبب بعض المفاهيم الوحشية التي لا أساس لها في الإسلام، هناك عدد من الصحفيات والناشطات الأفغانيات اللاتي رفعن أصواتهن للمطالبة بالديمقراطية والسلام قتلن خلال السنوات الماضية.

ملالا لا تزال على قيد الحياة – تماما كما أن الأمل بمستقبل أفضل للنساء في تلك المنطقة لا يزال حيا. ملالا لا تزال تصارع من أجل حياتها فيما يهدد الذين هاجموها بقتلها مرة أخرى إذا بقيت على قيد الحياة.

ما الذي يجعل رجلا يبرر قتل طالبة مدرسة؟ قال لي صديق أفغاني كان مجاهدا سابقا في اتحاد الشمال وهو يبتسم "عندما يستطيعون (طالبان) قطع رؤوس أعدائهم بسكين، فإن القتل بالرصاص يعتبر معاملة رقيقة ولذلك يخصون به النساء"، ومع أن حديث صديقي كان دعابة، إلا أنه جعلني أتساءل فيما إذا كنا نحن الصحفيات في أفغانستان ما بعد 2014 سنواجه معاملة "ناعمة" برصاصة من هذا النوع.

ماذا عن وادي سوات والمناطق المجاورة الأخرى مثل وزيرستان؟ هل تعد مناطق ضائعة؟ السلام والازدهار لا يمكن أن يتحققا في أفغانستان قبل القضاء على التطرف والحركات المسلحة في باكستان.