لا بد أن يكون حسابنا لأنفسنا قاسياً وعاقلاً في مواجهة السؤال: لماذا وكيف وصلنا إلى هذا الحد المخيف من التدريب الممنهج على الكراهية؟ وما الذي نزع من أنفسنا فطرتها الطبيعية الإنسانية حد الشماتة من الآخر في وقت وزمن الكارثة؟

سهرت مساء البارحة بعينين. واحدة على إعصار "ساندي" إلى التلفزيون، وأخرى إلى تغريدات مجتمعنا على تويتر وفيها ما يتشفى ويبارك هذا الإعصار وكأننا وحوش في غابة. وأرجو ألا يعلمني أحد فوارق ترتيب المواقف: أنا أدرك الفارق بين المجتمع الأميركي الغارق في الإنسانية وبين النخبة السياسية ومعيارها السياسي. لكن الفرحة "التويترية" التي وصلت إلى الأماني بمسح أميركا من الخريطة ليست بأكثر من – توحش – وانفصام في الشخصية. لا يوجد في قاموسي منطقة رمادية محايدة في اللغة. الذي يتمنى هؤلاء المتوحشون مسحه من الخارطة هو ساحل "ساندي" من الشمال الشرقي الأميركي حيث نحن بلا جدال عالة على من نلعنه ونتمنى مسحه من الأرض، وخذوا الحقائق التالية: هذه المنطقة التي كان "ساندي" مسرحها هي مطبخ هذا العالم البحثي الذي طور كل مناحي حياتنا بدءاً من الصحة وانتهاء بما في الجيب من أجهزة. ولايات "ساندي" هي الجامعات الست على رأس جامعات العالم العشر الأول. من هارفارد حتى (MIT)، ومن ييل إلى برنستون، ومن ديوك حتى كولومبيا النيويوركية. هذه الجامعات هي مطبخ العالم البحثي بدءاً من السرطان حتى – الوتس أب – هي حياتك التي تلعنها ثم تحملها في جيبك، لأنك عالة على هذا المطبخ البحثي. هذا الساحل الشرقي هو ربع العالم بأسره في صناعة الدواء. هو – هارفارد – التي تحمل براءة اختراع الأنسولين لمرضى السكر، مثلما هو – ديوك – التي ولدت في معاملها حبوب – الفياجرا – لتجعل منك شخصياً أكبر مستهلك على وجه الأرض من أجل حياة زوجية سعيدة. هي – ديترويت – التي أتت إلى (جراجك) بالسيارة لتقودها دون أن تعلم أن كل زرار إلكتروني بين يديك قد استهلك آلاف الأبحاث من آلاف العلماء دون أن تعلم حتى كيف تستخدم هذه الأزرار الإلكترونية. ماذا فعلت أنت من أجل نفسك وحدها حتى تتمنى زوال هذا العالم من الخريطة؟ خريطة ساندي وحدها هي براءة اختراع السيارة والكهرباء والتلفون، وأيضاً حبوب الفياجرا، فماذا فعلت أنت وأنت العالة المستهلك الذي يتمنى مسحها من الخريطة؟.. هي التي أخذتك من ظلمات العصور الوسطى إلى القرن الحادي والعشرين. هي التي وضعتك على الخريطة.