لماذا تقف روسيا والصين هذا الموقف من القضية السورية؟ وهل افتقد الروس والصينيون الحس بالإنسانية أمام هذه المجازر المروعة؟ أسئلة مشروعة تطرح نفسها دائما.

التحليل المجرد من الإنسانية، من وجهة نظري، هو الطريق الوحيدة لمعرفة موقف روسيا والصين. الأصل في اللعبة الأممية بين الشرق والغرب هو الهيمنة، والهيمنة في وقتنا الحاضر منبثقة من قوة الاقتصاد، ولا يمكن لأي اقتصاد أن ينمو بغياب وقود آلة الصناعة والمتمثل بالطاقة، والطاقة الفاعلة لتلك الصناعات هي البترول والغاز خاصةً، وكذلك لا مجال لعجلة الاقتصاد أن تدور بغياب الأمن والاستقرار. من هذه المعطيات تولد استراتيجية الجغرافيا السياسية (Geo Politics).

ظن الكثيرون أن الحرب الباردة قد ماتت أو انتهت، ولكنها ما زالت في أوج اشتعالها إنما بلباس مختلف عن لباسها الماضي.

من أهداف الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، إفساد مخططات الاتحاد السوفيتي سابقا والمتمثل في روسيا حاليا والصين وحلفائهم من السيطرة على منابع الطاقة.. لذا نجد تواجدها في أفغانستان بعد حرب كان مفتاحها القضاء على القاعدة. يأتي السؤال هنا: هل يوجد في أفغانستان موارد تذكر من البترول أو الغاز؟ وهذا صحيح، ولكن موقع أفغانستان الاستراتيجي لتوصيل الطاقة من منابعها بتمديدات أرضية - وهي الطريقة المثلى والأوفر - لمن يحتاجها في شرق وجنوب آسيا لا بد أن يمر بأفغانستان. نأتي في المقابل لهدف الصين وممولها الرئيس روسيا لاستغلال الطاقة للهيمنة الأممية، تغذي روسيا أوروبا وتركيا من احتياجاتهم من الطاقة وخاصةً الغاز، وبذلك تفرض تدخلها وإشراكها في اتخاذ القرارات الأممية من قبل أوروبا، وهذا أزعج أميركا كثيرا.

أنتقل للشرق الأوسط وأهميته في الجغرافيا السياسية والطاقة، هنا تقابلت استراتيجية الغرب والشرق في عدم استقرار هذه المنطقة الحيوية لمنعها من الحصول على استقلاليتها، والأحداث في وقتنا الحاضر هو نجاح لاستراتيجية القطبين. آتي إلى صلب الموضوع، سورية.

سورية هي أفغانستان الشرق الأوسط، وأعني بذلك أنها الشريان الموصل لمنابع الطاقة وخاصة السعودية والخليجية منها إلى تركيا وأوروبا، حيث لا يمكن تمديد أنابيب الطاقة إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا دون المرور بسورية، قد يقول قائل ماذا عن العراق؟ أقول أخفق الغرب بهمجية حقبة جورج بوش الابن، وأعطى العراق لإيران التي لها مصالحها الخاصة باستخدام العراق كورقة مفاوضات لبرامجها النووية ومخططاتها الأخرى، وبسبب إخفاق أميركا بالعراق وجدت روسيا وحليفتها الصين الفرصة سانحة بالوقوف مع عدم اتخاذ مجلس الأمن قرارا لحل المشكلة السورية. روسيا والصين لن ترضخا حتى تعرفا من سيحكم سورية مستقبلا، ويتم الاتفاق معه كما تم مع عائلة الأسد بعدم فتح الأراضي السورية لشريان الطاقة المغذي لتركيا والغرب، هنا نرى موقف الغرب الحازم لتحرير سورية من هيمنة روسيا، وموقف روسيا في عدم التفريط بعامل مهم جدا للهيمنة الأممية.

لماذا لم تتخذ أميركا وحلفاؤها قرارا للتحرك تحت الفصل السابع؟ أوروبا مقيدة بإشراك الروس في قراراتها كما أشرت سابقا، وأميركا منشغلة بالانتخابات الرئاسية. هنا تتبين الصورة على الأقل من وجهة نظري على كيفية تغلب المصلحة على الإنسانية.