مؤشر لا يبشر بخير، ما نراه من سادية فكرية يعاني منها بعض متطرفي الفكر، وينشرونها ـ مع الأسف الشديد ـ باسم الإسلام وهو منها براء! شعرتُ بمرارة وأنا أطالع تعليقات وتغريدات عبر مواقع التواصل الاجتماعية تحمل مشاعر من الكراهية والشماتة والتشفي والمأساة! أتساءل: كيف عرف هؤلاء أن "إعصار ساندي" غضب من الله على أهل نيويورك والأمريكان؟ وسبحان الله حين تحل بهؤلاء مصيبة أو كارثة طبيعية أطلقوا أقوالهم بأنها ابتلاء وامتحان لهم لأنهم من المؤمنين، ولكن حين تُصيب من يخالفهم قالوا عنها غضب وعذاب! فهل لديهم نجم مكشوف يخبرهم بأخبار السماء أم ماذا؟ بل كيف يجرؤ إنسان على أن يتدخل في مشيئة إلهية ويفسرها كيفما شاء وفق هواه والعياذ بالله!
حين قرأت تلك التعليقات تذكرت "راشيل كوري" الفتاة الأميركية المسيحية ذات 23 ربيعا، التي قتلتها جرافة إسرائيلية أثناء منعها لها من هدم بيوت الفلسطينيين وتشريد الأطفال، لقد وقفت بكل شجاعة عام 2003 أمامهم، ولم تتحرك قيد أنملة وضحت بحياتها لأجل قضية أناس يختلفون معها في الدين واللغة والجغرافيا! وفي أميركا الآلاف من أمثال راشيل كوري ممن يدافعون عن حق الإنسان وعن الإسلام أيضا، وممن هم ضد سياسة أميركا في الشرق الأوسط وممن هم ضد الحروب الأميركية، وأتذكر حين كنت عام 2007 في مدينة "بورتلاند" خرجت مظاهرة بها آلاف من الأميركان ينادون بتوقف الحرب في العراق معارضين لسياسة بوش آنذاك، هذا بجانب أن في أميركا ملايين المسلمين، ومع هذا تجد بعض المرضى بالتطرف الفكري والجهل السياسي نتيجة العجز العربي في حل أزماته، يُصدرون تعليقات ممتلئة بالكراهية والدعوات بالهلاك إثر عاصفة "ساندي "التي أصابت بعض ولايات أميركية!
نعم، لا يخلو دين ولا مجتمع من وجود متطرفين فكريا، حتى في أميركا بها هذا الصنف، ولكن المؤسف أن تصرفات وعواطف متشنجة كهذه تصدر من بعضنا ممن لم يدرك الإسلام إلا شكلا لا مضمونا، وتجعل الآخر يصاب بفوبيا من الإسلام! وأتساءل: هؤلاء ماذا تعلموا من الإسلام ومن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم! أين هم من وقوفه عليه الصلاة والسلام لجنازة يهودي مرت به، وحين تعجب الصحابة من وقوفه وهو النبي، قالوا له إنها ليهودي! فقال "أليست نفسا"! هؤلاء أين هم عن الاقتداء بنبي الإنسانية عليه الصلاة والسلام والذي أرسل للناس كافة وجعله للمسلمين أسوة حسنة فوصفه القرآن الكريم: "وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"! فهل الفرح والشماتة بمصائب الآخرين وتمني الشر يمكن اعتباره من الأخلاق!
أخيرا، لم يسئ للإسلام أحد بقدر ما أساء له هؤلاء المتطرفون ومن يتبعهم بجهل! ولا أنسى، أدعوكم لمشاهدة الفتاة الأميركية راشيل كوري على اليوتيوب.