"لما كانت الحروب تتوالد في عقول البشر ففي عقولهم يجب أن تُبنى حصون السلام"..

هذا السطر العظيم ستجده مكتوباً بعشر لغات على حائط حجري في مقر منظمة الأمم المتحدة في نيويورك، وهو بالمناسبة السطر الأول في الميثاق التأسيسي لليونسكو أو منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة.

لاشك في أننا نحن السعوديين نفخر بأن بلادنا كانت من ضمن عشرين دولة في العالم وقعت على ميثاق اليونسكو الذي يتضمن برامج تعمل في إطارها هذه المنظمة وهي: التربية، العلوم الطبيعية، العلوم الاجتماعية والإنسانية، الثقافة، الاتصال والمعلومات.

وهذه البرامج تحتاج لميزانية كبيرة لدعمها، وبخاصة أن أكثرها يقدم في بلدان نامية أو لا يملك شعبها قوت يومه، فكيف ينفق على الثقافة والعلوم؟

هذه المبالغ توزع كحصص على دول العالم تدفعها للمنظمة مساهمة منها، لكن للأسف بعض الدول تستخدم هذه الحصص للضغط على المنظمة؛ ففي سنة 1974 قررت أميركا عدم دفع حصتها المالية اعتراضاً على قرارات ترى أنها موجهة ضد إسرائيل، ثم عادت أميركا سنة 2003 للمنظمة، ثم امتنعت مرة أخرى عام 2011 اعتراضاً على قرار منح فلسطين العضوية الكاملة.

بالطبع الجميع يرى في تصرف أميركا ومن تبعها تصرفاً غير أخلاقي، فهذه الأموال تسهم في رقي البشرية وتثبيت عرى السلام، وأي قرار تم بعد اقتراع يجب عليك أن تحترمه ما دمت تحترم الإنسانية والثقافة والعلم، هذا إذا كنت فعلاً تؤمن بكل مبادئ الحريات والقيم والمثل الإنسانية.

وبالنسبة لبلادنا المملكة العربية السعودية فإنها تتحمل حصة مالية تقدمها لليونسكو تسهم في تفعيل برامجها في كل أنحاء العالم وبخاصة الثالث منه، وهذا يعد عملاً إنسانياً عظيماً كونك تعمل على خدمة البشرية ومنح الشباب خاصة فرصاً أفضل في تنمية ذواتهم والقضاء على الأمية والجهل.

كما أن المملكة لم تستخدم هذه الحصة للضغط على المنظمة في قراراتها على عكس دول كأميركا وكندا والعدو الإسرائيلي، وهذا ما نفخر به نحن السعوديين، لكن في الواقع عندما تتصفح صفحات الدول العربية في موقع اليونسكو وتبدأ مثلاً بالسعودية تجد أن ما كتب يتمحور حول العطاء الذي تقدمه المملكة، وهو ما يجعلك تقول في داخلك: فليباركك الله يا بلادي، فهذه الأموال تساعد على صناعة إنسان متعلم على هذه البسيطة.

ثم عندما تفتح صفحة دولة الأردن الشقيقة تجد إجابة على سؤال قديم: لِمَ الأردن الأفضل تعليماً في العالم العربي، ولم معلمو الأردن هم أكثر معلمي العالم العربي تميزاً وخبرة وقدرة؟ لأنك تجد أن رجال الأردن لم يتوانوا عن طلب مساعدة اليونسكو، وهي بوصفها منظمة تعمل على تحسين التعليم في الدول الأعضاء وقفت مع الأردن في ذلك، فتجد مما ذُكر بموقع الأردن أن:

"المركز الدولي لضوء السنكروترون للعلوم الاختبارية وتطبيقاتها في الشرق الأوسط (SESAME) عام 2003 خطوة بارزة في تعاون الأردن مع المنظمة. وتتعلّق الأبحاث التي قام بها المركز بالفيزياء الذرية، وتركيبة مجموعة واسعة من الجزئيات في البيولوجيا، وعلم العقاقير، وطب الجزئيات، وأشباه الموصلات، وتكنولوجيا وعلم المواد". كما أن لليونسكو خمسة كراسي في الجامعات الأردنية، وهناك أكثر من 80 مدرسة منتسبة لليونسكو... إلخ.

ولعلك عزيزي القارئ تقول: إن الأردن ليست دولة نفطية وميزانيتها جميعاً قد لا تبلغ نصف ميزانية التعليم لدينا، لأوصيك حينها بأن تفتح صفحة الإمارات أو الكويت؛ فستجد أعمال اليونسكو في الكويت كالتالي:

"شكّل إصلاح التعليم وإعداد الإستراتيجية الوطنية للتعليم مجالَين بارزَين للتعاون بين اليونسكو والكويت. ويتضمّن إطار العمل الناجم عنهما مركز الطفولة والأمومة في الكويت الذي تأسس كمشروع وطني لليونسكو".

"يبلغ حالياً عدد المدارس الكويتية المنتسبة لليونسكو 30 مدرسة".

"تُعتبر الجامعة العربية المفتوحة التي تتخّذ من الكويت مقراً لها نتيجة اتفاق توصّلت إليه اليونسكو مع برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية".

عندها لابد أن تعود وتسأل: صحيح أننا لن نتقدم بطلب غير أخلاقي لهذه المنظمة العظيمة لمجرد أننا ندفع حصة، لكن كوننا أعضاء وملتزمين معها لِمَ لا تقوم بأي خدمة حتى لو استشارية لتطوير التعليم لدينا؟

في الواقع، أن اليونسكو لم ترفض كما أنها لم تقبل؛ لأنه لا أحد طلب منها شيئاً مما يجعلنا نعتقد أن السعوديين في حالة استغناء تام عمّا تقدمه منظمة كاليونسكو!!

قبل أعوام سمعنا أن ثمة من تحرك لطلب إقامة مراكز تابعة لليونسكو في المملكة لدعم التعليم، لكن لم نرَ شيئاً حتى اليوم، ماذا حدث لهذا التحرك؟ أين وصل؟ ربما من المناسب أن أذكر أن فريق المملكة في اليونسكو عندما تحرك شاهدنا بعض النجاحات؛ فاستطعنا بقوة مركزنا إقناع الأعضاء بالاعتراف بفلسطين كعضو في اليونسكو، طبعاً بتضافر الجهود مع الدول العربية، ونجحنا قبل أيام في دفع اليونسكو للاحتفال بيوم عالمي للغة العربية، حتى إن تصميم الشعار تم بأيدٍ سعودية. إن ذلك دليل على جدوى التحرك المنظم للاستفادة من مكانتنا في هذه المنظمة التي جاءت من مواقف السعودية العظيمة عبر السنوات وعبر ما تدفعه من حصة التزمت بها.

إن منظمة كاليونسكو تتميز بالعطاء وتضم مئات الخبراء، وهي بحسب موظفيها تتعجب من الصمت السعودي عن حقه كعضو معطاء في الاستفادة ممّا تقدمه المنظمة لخدمة التعليم والثقافة؛ لذا يتوجه سؤال للمسؤولين عن التعليم في بلادنا مفاده: لماذا؟