"إدارة حوالي ثلاثة ملايين إنسان في حيّز ضيّق، وفي وقت محدّد، بالتأكيد ليست بالسهولة أبداً التي يتصورها أي أحد، لا بد من بعض الخطأ".
حاججت بالجملة الآنفة، نفرا من أحبتي الذين أكرمهم الله بحج هذا العام، وقد بلغ بهم التذمر حدا، بسبب تأخرهم في النفرة إلى (مزدلفة)، أن سخطوا على كل الجهود التي بذلت في الحج من لدن الوزارات المعنية.
للأسف، إن الجهود التي تبذل في الحج، والمليارات التي تصرف من قبل الدولة، تذهب بددا، بتجاوز مؤسسات طوافة، لا حس مسؤولية لديها ولا روح وطنية، فينسف هؤلاء بتقاعسهم وبلادتهم وتجاوزهم، صورة إيجابية زاهية لجهود خرافية أخذت الشهور الطويلة من الإعداد، وضخت فيها الأموال الضخمة، وأهدرت فيها الأوقات الأثمن، وكل صورتنا التي نزهو ونفخر بها أمام العالم، تتشوه قليلا، بسبب خطأ قاتل من موظف مهمل، أو جهة متجاوزة غير ملتزمة بالنظام والقانون، أو مؤسسة لم تضبط أداء منسوبيها بشكل جيد.
كنت أتابع الوزراء والضباط الذين يبشرون بجهودهم قبيل الحج في تلفازنا السعودي، وشعرت بكثير من الفخر والثقة والاطمئنان، وكانت والدتي - يحفظها الله- بعمرها المديد بجانبي تدعو لولاة الأمر على كل ما بذلوه، وهي تشاهد هذه الأنفاق والجسور العظيمة، والتجهيزات الكبيرة التي أعدت، وقد أدركت –حفظها الله- السنوات الماضية البعيدة، وكيف كان الحج بتلك الأيام الغابرة، وسردت لي من ذاكرتها كيف كانوا يؤدون فريضتهم، وكيف بات الحج اليوم، بهذه الرفاهية والتسهيلات التي تقدم. للأسف، إن كل تلك الصورة والمشاعر التي تلبستني - كمواطن ينتمي إلى هذا الكيان- تبددت بسبب حادثة التدافع في محطة (قطار مزدلفة) وتأخر وصول الحجاج، والسبب إهمال أو عدم احتياط أولئك النفر الموكل لهم موضوع القطار.
ما خفف من حنق أولئك الحجاج الساخطين، الذين علقوا في (عرفة)، وتأخر وصولهم لـ(مزدلفة)، وحتى نحن الذين يهمنا أمر وطننا وصورته، هي المبادرة السريعة لأمير الحج، سمو الأمير خالد الفيصل بتشكيل لجنة خماسية لمعرفة أسباب هذا التدافع والتأخر، وتوعد سموه بأن يطال العقاب كل من كان السبب في ذلك الخطأ، الذي أطلق النياحات والشماتات من قبل الحقدة وكارهي هذا الوطن، بمواقع التواصل الاجتماعي، وقد ضجت بكثير من التغريدات المتهكمة والشامتة.
بعض تلك التغريدات كانت تصطاد في الماء العكر، لتشوه كل الجهود الكبرى التي بذلتها الدولة لتصريف أعمال الحج، ومن هنا أتمنى أن يكون التحقيق شفيفا، ويشهر بالمتسببين فيه، وتنالهم العقوبة القصوى، فالحج صورتنا أمام العالم، وهي مهمة وطن كامل، لضيافة حجاج بيت الله العتيق، وليكن المتسببون عبرة لغيرهم في الأعوام المقبلة، كي لا تتكرر مثل هذه الأخطاء الفادحة.
أراهن بأن العقوبة ستطال تلك المؤسسات أو الأفراد الذين كانوا المتسببين، لأن المسألة راهنة، ومن السهل إيجاد المتسبب فيها، وليت العقوبة تعجل، كي يسمع الحجاج – قبل مغادرتهم أرضنا- بعدم تهاوننا مع أي خطأ يمس ضيافتهم، وأداء مناسكهم، وأن الدولة من أكبر مسؤول لأصغر مواطن، إنما هم في خدمته، بل ويتشرفون بذلك.
ما يؤلم مثلي، سؤال يحرق النفس: هل سنكون في كل موسم حج، أمام خطأ من مؤسسة أو أفراد، وتذهب هباء، كل تلك الجهود التي سهر عليها، أفذاذ الرجال المخلصين؟.
الناس بطبعها تميل، لتكبير الخطأ الصغير، وتلتفت لنقطة الحبر السوداء في الصفحة الناصعة البياض، ولا حل إلا بالصرامة تجاه المتسببين، ليرتدع غيرهم.
عاقبوهم، فهذه صورتنا أمام العالم، ولا تهاون في ذلك.