ومع أنني لست في حاجة للاستئذان من صديق الحياة، الزميل تركي الدخيل، على استعارة العنوان بعاليه، ولكنني سأردف فوق مدماكه عن الأسباب من (هربة) السعوديين إلى مليونية دبي. أختلف تماماً مع المبالغة الهائلة في الرقم لسببين: أولاً، لأن المدينة نفسها لا تحتمل، مثل كل مدن الدنيا، أن تضيف من السياح ذات عدد السكان، وهذه المبالغة لا يهضمها قانون السكان ومعياره، وثانياً، هم بالإحصاء، حمولة 300 طائرة من الحجم المتوسط، إضافة لحمولة 800 سيارة في أيام الذروة، كما تقول النشرة الرسمية لإدارة الهجرة الإماراتية. مع هذا ستبقى إجابة السؤال بحاجة إلى المكاشفة والصراحة والصدق: لماذا كانت مليونية السعوديين في دبي؟ دعونا نقل الحقيقة دون أن نكذب أو نتجمل. تشعر العائلة السعودية مثلما يشعر الشاب السعودي أنه في مقاهي وطنه وشوارعها وأسواقها في مربع حصار ودائرة محاذير. يشعر على الدوام أن العيون الرقابية من حوله لا ترى فيه إلا خطيئة متحركة أو قنبلة موقوتة لتفجير الرذيلة. وعلى النقيض، يقول نائب رئيس شرطة دبي، مساء البارحة، إن (المليونية) السعودية لم تفرز (أمنياً) غير ثلاث حالات من الجنح حتى اللحظة، ليس من بينها قضية تحرش. نحن لا نشاهد أنفسنا أسوياء إلا حين نختم جوازاتنا في محطات الوصول. مليونية السعوديين في دبي تعبير جماعي لرفض الاستغلال ولرفض الخدمات السياحية المترهلة. يكتشف السعودي في دبي أنه دفع ذات أسعار بلده ولكن في إسكان يحترم أرقى المعايير وأسواق تنافس على حماية المستهلك وأبراج تأخذه للسماء الدنيا ومطاعم تشعره بأنه (آدمي) يستحق أن يكافأ على كل (درهم) يدفعه. السعودي يهرب من المنشأة السياحية التي ختمت لها البلدية بأردأ المعايير وأجازها الدفاع المدني شقة مفروشة لا تناسب حتى معايير (الخيول) المدللة.
يخطئ جداً جداً من يظن أن مليونية السعوديين في دبي مجرد هروب إلى الحرية، بالعكس هي (هربة) إلى القانون الصارم، وخذ للبرهان أن العوائل هم النسبة الطاغية. هي هربة إلى قانون المرور الجاد، والسوق الملتزم والإسكان الذي يأخذ حقوقه ويعطي ما عليه من واجبات. هي (هربة) إلى آلاف الكاميرات التي تسجل كل شاردة في تفاصيل الحياة اليومية. انتهت المساحة.