في كل موسم حج، ومنذ أكثر من 25 سنة، أتسمر أمام التلفزيون السعودي؛ لأشاهد وبكل حرص النقل التلفزيوني لفعاليات الحج، وفي كل سنة يتطور ويتقدم ويتغير كل شيء على أرض مكة المكرمة والمشاعر، إلا النقل التلفزيوني، فهو إن لم يكن متراجعا فهو في مكانه يراوح، وكنت قد كتبت قبل شهور معلقا على النقل التلفزيوني لمباريات بطولة كأس العرب التي أقيمت لدينا في الطائف وجدة، وقارنتها ببطولة أوروبا التي كانت للتو قد انتهت، وعرجت في تلك المقالة على نقل مناسك الحج ومما قلت: إنه برغم مرور عشرات السنين على هذا النقل، إلا أنه مكرور في تواضعه وضعفه، وعدم قدرته على إظهار حقيقة المنجز، وحجم الجهد المبذول من الدولة، وعاجز عن نقل روحانية المكان والزمان، بما يشهده من نشاط وحركة وعبادة وتنوع في المشاهد واللقطات التي تغري أي مصور وأي مخرج؛ ليقدم عملا إبداعيا لافتا ومميزا، خاصة وأن الحدث عالمي، وعشرات القنوات والفضائيات العربية والإسلامية الحكومية والخاصة، إضافة إلى القنوات الأكثر شهرة في العالم تغطي هذا الحدث السنوي بالكامل أو أجزاء منه نقلا عن التلفزيون السعودي.

وتمنيت من وزير الثقافة و الإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، أن يولي مسألة النقل التلفزيوني للأحداث بجميع أنواعها اهتمامه المعهود، وأن يخصص لهذا الجانب إدارة تهتم به وتخطط له وترسم الإستراتيجيات للرفع من شأنه، عبر التدريب والتعليم والتطوير، وعبر توقيع اتفاقيات مع جهات عالمية متخصصة في هذا الجانب، أو إسناد هذه المهمات للقطاع الخاص القادر على إبراز منجزاتنا ونقل الأحداث بما يتناسب مع حجم وسمعة بلادنا.

هذا الكلام أنقله مع شيء من التعديل لرئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون عبدالرحمن الهزاع، الذي تم تعيينه في هذا المنصب. في هذه الهيئة الوليدة التي يفترض أن الهدف من إنشائها هو معالجة هذا الضعف الواضح في تلفزيوننا الرسمي.

كنت وما زلت أتمنى أن أشاهد نقلا سينمائيا لحركة الحجاح في كل المشاعر، وأثناء أدء هذا النسك العظيم، كنت أتمنى أن تظهر الكاميرا حجم الجهد البشري الذي يقوم به أهل هذه الأرض؛ خدمة للحجاج وأن تظهر الكاميرا حجم المنجز، كنت أتمنى أن أرى القطار، جسر الجمرات، الكشافة، غرف العمليات، المراكز الصحية، الإسعاف الطائر، فرق الدفاع المدني، القوات الخاصة، وعشرات الأماكن والمواقف واللقطات، التي تنافس بعضها البعض، لكنني منذ 25 سنة لا أشاهد إلا كاميرات ثابتة في مواقع ثابتة للقطات عادية ومشاهد تهتز بها الكاميرا، وأخطاء لا ينبغي أن يقع فيها مخرج مبتدئ، فضلا عن صور باهتة، وصوت مذيع يتقطع كثيرا، وحوارات جامدة مغلفة لا جديد فيها، ومذيعون لا حول ولا قوة لهم سوى عبارات ننطق بها قبل أن ينطقوا بها، فقد حفظناها جراء حالة التكرار وانعدام الإبداع والتجديد.

باختصار شديد، وإن "زعل" زملاء المهنة، فإن تلفزيوننا العزيز غير قادر على نقل منجزات الدولة العظيمة، ليس في الحج فقط بل في كل المناسبات، ولعل إنشاء هيئة الإذاعة والتلفزيون يحدث فارقا لافتا في النقل التلفزيوني وفي إظهار منجزاتنا.