في كل مرة أشاهد واحداً من كبار المسؤولين يترك كرسي عمله ويطوف بين الناس في الأسواق وفي القرى والأرياف في حدود مسؤولياته يتجدد الأمل عندي بأن هذه الأمة لايزال فيها الخير ولعل أكبر مسؤول ينزل إلى حيث المواطن ويتفقد مطالبه والمرافق العامة هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله عندما يزور المستشفيات ويتفقد أحوال المرضى ويباشر تدشين المشاريع التي ستعود على الوطن والمواطن بكل فائدة ورقي، وكذلك سمو ولي العهد الأمين سلطان بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز. أذكر ذلك ليس لإعلامكم وإنما لحث كل مسؤول في هذه البلاد حكومياً كان أو أهلياً على مباشرة عمله ميدانياً بقلب مفتوح وباب مفتوح ونفس راضية!
صراحة، نحن لا نشاهد إلا القليل من الوزراء الذين يتفقدون أعمالهم على الطبيعة، أما أمراء المناطق فلهم جولات ملموسة حسنة ومقبولة من الشعب كله ومن كل مواطن، لكننا نريد المزيد من الجولات من كل مسؤول صغر منصبه أو كبر. وإذا تمت مثل هذه الجولات الميدانية فسوف يكون لها صدى اجتماعي وسوف تعبر عن واقع جميل يعيشه هذا المجتمع سواء في المدينة أو الريف أو السهل أو الجبل.
المسؤولية مطلوبة دائماً في الليل وفي النهار، في الرضا والشدة، في وقت الإجازات أو الشتاء أو الصيف ولا بد من حل مشاكل كثيرة تعتري طرق العمل في بلادنا ولن يساهم في اختفائها غير المواجهة معها.
لقد سمعت أن مسؤولاً في إحدى جولاته استنجدت به عائلة مات عائلها، وبيت تلك العائلة ليس له حجة استحكام فطالبت بلدية تلك المنطقة بخروج العائلة من ذلك البيت، فلما وصل الأمر إليه قال "الحكومة تمنح العوائل البيوت للسكن والستر لا أن تخرجهم منها إلى الشوارع". وقال المسؤول "إذا لزم الأمر فأنا أشتري هذا البيت ممن يملكه وأمنحهم إياه". لقد حل هذا المسؤول هذه القضية المعقدة في مفهوم الكثير في لحظات وهو يحضر ذلك الاحتفال الذي أقيم بمناسبة العيد، أقول كلما شاهدت مشاكل تمنيت أن تتكرر تلك الرحلات لكل مسؤول، مثل الوزراء وعدد من المسؤولين في الدولة وهذا أمر طبيعي للمتابعة والتفقد والحرص، ليتفقد كل منهم القطاع التابع له في تلك الربوع والوهاد من هذه البلاد الواسعة الشاسعة التي تحتاج إلى الكثير من الجولات.
أقول ليت تلك الأمنية تتحقق، أولاً لإرضاء الله سبحانه وتعالى في أداء الأمانة التي اؤتمن عليها هذا الوزير أو المسؤول. وثانياً لتنفيذ أوامر ولي الأمر في هذه البلاد خادم الحرمين الشريفين، الذي كثيراً ما حث وأوصى من خلال أحاديثه أمام أعضاء مجلس الوزراء وفي مجالسه المفتوحة بأن يباشر كل مسؤول عمله بقلب مفتوح وباب مفتوح وأن يتفقد المرافق التابعة لوزارته ودائرته أين ما كانت، وله في تجوال كبار أركان الدولة بدءاً من هرم السلطة والمسؤولية في أرجاء الوطن القدوة الحسنة.
إن هذا الأمر على درجة كبيرة من الأهمية، فالوقوف على المشاريع والاستماع إلى المواطن وهو في حقله ومتجره وأمام مصنعه.. في ريفه ومدينته أمر حضاري سيخفف الكثير من تكدس المطالب والناس أمام الدواوين والدوائر التي هي في الغالب الأعم تغص بالمطالب وزحمة الأوراق، وسوف يوفر لتلك الدوائر المزيد من الوقت الذي هي في أمس الحاجة إليه. إن ذهاب المسؤول إلى المواطن بدلاً من العكس سيعطي دفعة قوية إلى إنتاج هذه البلاد وسيجسد سياسة الباب المفتوح التي تنتهجها بلادنا وسيمنح الإدارة الحكومية المزيد من الحركة بما يوفر الفرص الأقوى والأمثل لإنعاش الاقتصاد والإنتاج الوطني.
ولا أعتقد أن هناك أسباباً جوهرية تحول دون تحقيق ذلك، اللهم إلا تخوف واحد هو كثرة مطالب الناس والمبالغة في ذلك خاصة في الأرياف وهذا أمر يكاد يختفي بعد تحسن المعيشة والارتقاء الثقافي والتعليمي للمواطن في الريف والمدينة على حد سواء. والجميع يلمس ويدرك وجود وسائل العصر من اتصالات ونقل وحضارة في كل بقعة على أرضنا الحبيبة في الريف والمدينة على حد سواء.
وأعتقد أن المواطن سيكون واقعياً إذا وجد نفسه أمام مسؤول كبير مثل وزير ما – أو وكيل ما – وهو يناقش مطالب بلدته ومثل هذه الحالات ليست معدومة في بلادنا ولكنها قليلة خاصة في السنوات الأخيرة، عندما تم تنفيذ العديد من المشاريع الحيوية أصبح هناك بعض الترشيد والتعقل في الصرف ووضع الخطط والميزانيات للكثير من المشاريع. وكلنا يتذكر جولات لعدد من الوزراء في مناطق مثل: القصيم والأحساء وحائل وعسير كانت ثم قلّت، ربما لإنجاز أغلب المشاريع في تلك المناطق، ولكن يبقى عدد مستمر من مشاريع التطوير والمدارس والجامعات والطرق والقطارات. إن أهم "التهاونات" والتجاوزات هي الدعة والتساهل وغياب المسؤول خلف الأبواب أو خلف النواب الذين يقولون له إن كل شيء على ما يرام ويتهاونون بالمسؤولية، لا سمح الله ولقد قيل الكثير عن مساوئ الاحتجاب، وقد أدرك رأس هذه الدولة بثاقب نظرته ونائبه الأول ونائبه الثاني خطره فأمروا ووجهوا كل مسؤول من خلال مجلس الوزراء الذي يعتبر أكبر سلطة في هذه البلاد حماها الله إلى مباشرة العمل على الطبيعة ومواجهة المشاكل إذا وجدت في أي مكان من هذه البلاد والتصدي لحلها خدمة للمواطن وللمصلحة العامة التي تخدم كل مواطن وكل مقيم على أرض هذه البلاد.
بلا شك أن كل مواطن سيفرح عندما يجد المسؤول أمامه، ماذا ننتظر لنكون على مستوى الأمانة والمسؤولية، وليكن لنا في هؤلاء الكبار من المسؤولين قدوة حسنة ومثال يحتذى؟!
إن الوقت لا يعود مرة أخرى، وما مسؤولية الوزير أو المدير إلا تشريف وتكليف يجب تأدية أمانتها قبل فوات الأوان. فلنبادر إلى فتح القلوب والأبواب لكل مواطن، لكل صاحب حاجة، لنتعاون جميعاً لبناء هذا الوطن، ولنتجاوب مع الجميع بما يرضي الله وخلقه.
أخي المواطن:
- لا تكن على باب الوزير بل سيكون الوزير معك أين ما كنت!
أخي الوزير:
- المواطن في انتظارك، فلا تخذله ولا تخيب أمله فيك!