عزيزي التغريبي: هل سبق لك أن تورطت في نقاشات عقيمة مع أشخاص آخرين اتهموك بالتغريب؟ لا تحزن، ولا تنزعج، ولا تحز في خاطرك أقوالهم! فقط اتبع هذه "الروشتة": كل ما عليك فعله هو أن تقول لهم الآن وبكل ثقة وثبات إنك قررت أن تصبح "تشريقياً" وليس "تغريبياً "، بمعنى أن إبرة البوصلة الخاصة بالتغريبيين قد تعدلت واتجهت نحو الشرق، لماذا؟ لأن من خصائص هذه البوصلة أنها ليست مُتحيزة إلى اتجاه معين، هي تسير مع التفوق والتحضر والتمدن، هي تسير الآن جنبا إلى جنب مع النمور الآسيوية (الصينية، واليابانية، والهندية، والسنغافورية، والماليزية، والكورية..)، وحتى الولايات المتحدة الأميركية عَدلت أيضاً من اتجاه بوصلتها واتجهت هي الأخرى شرقاً.

هل تعلم أن وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كلينتون" قد اتجهت بعد تعيينها في منصبها في أول زيارة لها إلى آسيا، بدلا من أوروبا ؟ هل تعلم أن ثماني دول من قارة آسيا هي من أكبر اقتصادات العالم وتحديدا "الكلاسيكو" الأعظم بين "الصين" صاحبة المركز الثاني عالميا والتي استطاعت أن تنتزع هذا الترتيب الاقتصادي بقوة من منافستها اليابان صاحبة المركز الثالث عالمياً.

يبدو أن الحقبة الحالية هي حقبة آسيوية بامتياز، والدليل أنه ـ قبل سنوات ـ أعد مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي دراسة مهمة مفادها أن "عقد التسعينيات كان نهاية القرن الأميركي، وتشهد بداية القرن الحادي والعشرين إرهاصات صعود بعض الدول في العالم النامي بقيادة الهند والصين"، أما لماذا الهند والصين تحديداً؟ الجواب: لأن الدولتين خاضتا حرباً طويلة ومريرة على مدى أكثر من أربعين عاماً، بسبب نزاعات على الحدود، والجديد أنه بعد أجيال متعاقبة من الكراهية والعداء يأتي وزير التجارة والصناعة الهندي ليقول: "إني أرى أوجه تشابه أكثر من التنافس بين الهند والصين، ولا أرى البلدين في سياق "الهند مقابل الصين "، بل أراهما في سياق" الهند مع الصين "، ثم يأتي رئيس وزراء الصين ليقول: "إذا تعاونت الصين والهند مع بعضهما في الصناعة التكنولوجية سيمكنهما قيادة العالم، وسيشهد العالم بالتالي بداية العصر الآسيوي في الصناعة التكنولوجية"، هذا الكلام ليس "طق حنك"، إنما هو تعبير عن تغير في ميزان القوى العالمي.

التقرير الأخير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) أشاد بقدرات كل من تركيا والهند والصين في التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية وأشاد كذلك بتأثير التقدم الاقتصادي في تلك الدول على معدلات التجارة المحلية فيها وتشجيع الاستهلاك مما أدى إلى انتعاش أسواقها بإمكاناتها المحلية، ويتوقع التقرير أن يصل النمو الاقتصادي في آسيا ـ بفضل تلك الدول ـ إلى 6% هذا العام، في حين لن تتجاوز نسبة النمو الاقتصادي العالمي هذا العام حاجز 2.3%، نعم.. تصاعد آسيوي وتراجع غربي يتمثل ببروز التنين الصيني والنمور الآسيوية والهند كلاعبين مؤثرين، وتحول الصين إلى أكبر مُقرض للولايات المتحدة، وتحول أميركا إلى أكبر دولة مدينة في النظام الدولي بمجمل دَين عام يتجاوز 16 تريليون دولار، واهتزازات في الاتحاد الأوروبي بدليل التفكير البريطاني في عمل دراسة واستفتاء في الجدوى من بقائها في الاتحاد.

المؤشرات العالمية الصادرة من البنك الدولي وصندوق النقد تتوقع بأن تكون آسيا هي سيدة العالم وأن القرن الحادي والعشرين سيكون على الأرجح قرن آسيا . فهل نفهم.. ونتحرك؟؟ والسؤال الأهم: بعد "روشتة" التشريق هل سنستمع مرة أخرى إلى أسطوانة التغريب؟؟