تداخلت مشاعر عشرات الإعلاميين والإعلاميات العرب، بين الفرح والحزن وهم يصلون إلى فلسطين للمشاركة في الملتقى العربي الذي نظّم في رام الله على هامش بطولة "فلسطين بطولة من النكبة إلى الدولة". كثيرون منهم غمرتهم الفرحة بزيارة فلسطين للمرة الأولى في حياتهم، وفي الوقت نفسه لم يبارحهم الحزن على الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ 64 عاماً تغيّرت خلالها أمور كثيرة إلا القضية فبقيت واحدة لدى العرب والمسلمين.

لهذا أرادت السلطة الفلسطينية في سياق نضالها ضد الاحتلال الإسرائيلي، أن تكسر في ذكرى النكبة جداراً من جدران العزلة وتستضيف على أرضها على هامش بطولة "فلسطين بطولة من النكبة إلى الدولة" التي تنافست فيها 8 فرق عربية لكرة القدم، ملتقى عربياً كبيراً ضمّ أكثر من 250 إعلامياً وإعلامية من 15 بلداً بينها الأردن وتونس والمغرب ومصر وموريتانيا ولبنان والكويت والإمارات وقطر والبحرين وعمان، إضافة إلى فعاليات إعلامية واجتماع للمصورين الفوتوغرافيين العرب، وماراثون "القدس لنا" الذي جرى في معظم الدول العربية في ذات التوقيت.

خطوة تاريخية

لم تجد الإعلامية في التلفزيون التونسي الزميلة هدى المرزوقي، ما تصف به زيارتها لفلسطين إلا بأنها "خطوة مهمة في تاريخي المهني". وتلاحظ المرزوقي التي تزور فلسطين للمرة الأولى كسواها، أن معاناة الشعب الفلسطيني تختلف كثيراً عن قرب. وتقول لـ "الوطن": "بدا واقع المعاناة مختلفاً عما نراه ونسمعه، خصوصاً في ظل الحواجز والحصار الذي يقيمه الاحتلال الإسرائيلي". وترى أن "هذا الحجم الهائل من الإعلاميين والإعلاميات وتوافر وسائل دعم أكبر سيكون للإعلام الرياضي دور مميز في المستقبل القريب"، مشيرة إلى أن "مناقشة الملتقى لمعوقات الإعلامية الرياضية العربية، سيساهم في حال رفع التوصيات وتنفيذها بتطور النساء في هذا المجال، بما يخدم الإعلام والرياضة بشكل عام".

فرصة وسعادة

أما مقدمة البرامج بقناة الدوري والكأس القطرية الزميلة هدى محمد، فلم تخف سعادتها بزيارتها لفلسطين، خصوصاً أنها وجدت فيها فرصة للتعرف على بلد عربي، وشعب طالما عانى من الاحتلال، متمنية له كل تقدم وازدهار. وقالت "هي زيارتي الأولى لفلسطين وأتمنى أن تتكرر لفتح بابٍ ينقل رسالة إلى العالم بمختلف شعوبه حول الشعب الفلسطيني وإعلامياته المتميزات. لقد كان تجمعا رائعا أتاح لنا الاستفادة من بعضنا كثيرا".

وأشارت إلى حجم المشاركة العربية الواسعة في هذا الملتقى، لأنها تضيف سجلا ناصعا إلى جملة المشاركات النسائية على الصعيد الإعلامي، بخاصة أنها التقت بالعديد من الإعلاميات اللواتي حرصن على تبادل الخبرات في المجال، في سبيل تطوير المهارات الإعلامية في الوطن العربي".

وأعربت الإعلامية في جريدة الشبيبة العمانية زينب الزدجالي عن اعتزازها بالمشاركة في الملتقى وبالزيارة الأولى لها إلى فلسطين، معتبرة أنها فرصة جميلة للالتقاء بالزملاء والزميلات في نفس المجال، وقد سعدت بتطورهم في مجال الإعلام الرياضي والذي من شأنه تطوير العمل الإعلامي الرياضي في الوطن العربي. وأثنت الزدجالي بدور الاتحاد العربي للصحافة الرياضية الذي أتاح للجميع الفرصة للتعرف على القضية الفلسطينية والوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال.

من أوغندا وغزة

وذكرت الإعلامية الرياضية عائشة قودش من أوغندا، أن زيارتها لفلسطين كانت ضرورية حيث رأت واقعا يختلف عما تراه في وسائل الإعلام في بلدها والتي هي أبعد ما تكون عن الحقيقة ولا تنقل الواقع.

كما ذكرت الإعلامية الفلسطينية نيلي المصري من قطاع غزة، أن فلسطين تعاني والشعب الفلسطيني يعاني، ولكن ورغم معاناته يستطيع التأقلم والعيش، وما المقاومة إلا دليل حي على أن إرادة الشعب الفلسطيني قوية.

تحقق حلم صغير

المصورة الفوتوغرافية الفلسطينية هبة عريقات لم تفوت فرصة وجود زملائها الإعلاميين والإعلاميات لتحدثهم عن فلسطين وعن الأماكن التي يجب أن يزوروها، وتقول: أنا سعيدة، فكانوا يستمعون إلي ويحدثونني عن انطباعاتهم لهذه الزيارة ووعدوني بأنهم سيعودون مرة أخرى".

وتحدثت عريقات عن الملتقى، قائلة: "كان جميلا بلقاء الزملاء الإعلاميين والتعرف على آخرين جدد من مختلف الدول العربية لأول مرة، وذلك لتبادل الخبرات والاستفادة الكبيرة التي خرجنا بها من هذا التجمع العربي الكبير. اتسم الملتقى بالسلام والمحاضرات المفيدة والنقاشات البناءة والأحاديث الشيقة". وشكرت راعي الرياضة والإعلام الرياضي في فلسطين اللواء جبريل الرجوب على "جهوده الجبارة من أجل النهوض بالرياضة الفلسطينية والإعلام الرياضي بكافة أشكاله، ولأنه يظهر فلسطين والفلسطينيين على المستوى العربي والدولي، ويضع الرياضة الفلسطينية على خارطة العالم الرياضي، ويظهرني كفلسطينية بصورة راقية وشكل جميل أمام العالم".

وتتابع "في افتتاح ملتقى الإعلاميات العربيات الأول في فلسطين، شعرت بقيمتي كإعلامية فلسطينية على طريق التطور، وكيف لفلسطين ولأول مرة أن تستضيف إعلاميات رياضيات في ملتقى رسمي، كان له الأثر الأكبر في أن تقول فلسطين نعم أنا هنا ولدي الكثير لكم، وتعبر للضيوف الإعلاميين وحتى اللاعبين الضيوف في بطولة النكبة أهلا بكم فلسطين ترحب بكم".

وتستطرد "أشعر بالفخر بهذا الإنجاز الكبير وأتمنى أن تستمر اللقاءات مع الزملاء والزميلات للنهوض بالإعلام الرياضي على مستوى العالم وتطويره في فلسطين، ولكن حزني شديد عندما لم يستطع بعض الزملاء والزميلات المشاركة في الملتقى لظروف الاحتلال، وأتمنى أن يعقد الملتقى مرة أخرى وقد تحررت فلسطين وأن يستطيع كل الإعلاميين والإعلاميات العرب والأجانب القدوم إلى بلدنا للمشاركة، وهذا جزء من آمالي غير المحدودة التي أرجو أن تتحقق".

إرادة في وجه الصدمات

واشتمل المؤتمر على زيارة ميدانية للإعلاميات للمؤسسات الإعلامية من الصحف والإذاعات والتلفزيونات، كما نظمت زيارات خاصة لمدينة القدس والخليل ونابلس وبيت لحم وطولكرم وجنين وقلقيلية وأريحا.

ويبين الزميل الإعلامي الفلسطيني محمد اللحام أبرز الاستخلاصات للتحديات وهي الظروف القاهرة التي تواجه الصحفية الفلسطينية، والمعوقات الثقافية لدى المجتمع العربي ومنظومة المفاهيم التقليدية التي تحد من التحاق الفتاة العربية بمهنة الإعلام عامة والإعلام الرياضي خاصة. ويمثل التحدي الثالث النظرة السلبية والاستغلالية من قبل أرباب العمل للإعلامية العربية.

ويضيف "من أبرز التحديات التي تم تشخيصها أيضا عدم توفر الدورات التدريبية والتطويرية لقطاع الإعلام النسوي، وغياب التشريعات والأطر النقابية الناظمة لعمل المرأة في القطاع الإعلامي. ومن التحديات كذلك عدم وجود سياسات عامة للنهوض بواقع الرياضة وبالتالي بواقع الإعلام الرياضي".

ويوجز اللحام التوصيات بضرورة التواصل العربي مع الحالة الفلسطينية عامة والإعلامية الفلسطينية خاصة، والمطالبة بالعمل على تطوير القطاع الأكاديمي في الجامعات بما يخص الإعلام الرياضي النسوي، وضرورة فتح المجال أمام الإعلاميات للوصول لموقع صنع القرار في النقابات الصحفية وفي الاتحادات الإعلامية العربية، ومطالبة الاتحاد العربي بدعم الإعلاميات الرياضيات من خلال تكثيف الدورات والملتقيات بهدف رفع المهارة والكفاءة، واستحداث الجوائز والمسابقات التنافسية التشجيعية في فنون الإعلام المختلفة.

نجاح رغم المضايقات

أعرب أمين عام الاتحاد العربي للصحافة الرياضية، الزميل عوني فريج أن المؤتمر نجح بقوة وكان في مستوى الحدث الكبير من حيث الأهمية وخصوصية المكان، غير أنه وجدت معوقات تمثلت في عدم السماح للبعض بدخول فلسطين؛ حيث لم يتسنَ للعديد من الزملاء تلبية الدعوة وعادوا من حيث أتوا بعد أن تجشموا عناء الوصول إلى الجسر الفاصل ما بين الأردن وفلسطين، وصعوبة التنقل بسبب الحواجز الموجودة في معظم المناطق.

أبرز الكلمات

"الوطن" رصدت كلمات أهم الشخصيات السياسية والإعلامية في الملتقى الذي تخللته ندوات وورش العمل، ووقفت أمام أبرز التحديات التي تواجه الإعلاميين عامة والإعلاميات خاصة.

وأشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس في افتتاح الملتقى، أنه رسالة هادفة لكل الناس تقول إن الرياضة فوق السياسة والجغرافيا والتحزبات والفروقات، مؤكدا على أهمية الدور الذي تلعبه المرأة في كل الرياضات، وأنها يجب أن تأخذ نصيبها كشريكة في الرياضة لأنها رسالة سياسية وإنسانية تقرب بين الشعوب وتساهم في إشاعة روح المحبة والتألف بين شعوب العالم ذكورا وإناثا.

حضور لا مشاركة

وأكد رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور سلام فياض في كلمته أن الرياضة في فلسطين قطعت مسافة هامة بخطوات كبيرة في مشاركاتها الخارجية من مجرد المشاركة والحضور إلى المشاركة من أجل المنافسة وتقديم ما يليق باسم فلسطين، داعيا الإعلاميين العرب إلى نقل رواية الشعب الفلسطيني بصورة مميزة إلى مختلف دول العالم، مشيداً بدور كل من نقل الرواية الصادقة تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته، معتبرا حضور الإعلاميين العرب لفلسطين بإخلاص يعبر عن رغبة أكيدة في التضامن مع الشعب الفلسطيني في نضاله العادل للوصول للدولة.

وأوضح أن السلطة الوطنية بمؤسساتها ووزاراتها تحترم حقوق المرأة، وتحترم دور المرأة في الرياضة، وحقها الطبيعي في المساواة وتكافؤ الفرص.

بلورة مفاهيم وأمان

وعدَّ أمين عام المجلس الأعلى للشباب والرياضة اللواء جبريل الرجوب وجود الإعلاميين والإعلاميات العرب فرصة لتبلور مفاهيم تؤسس مستقبلاً جسوراً للتواصل، وتوفير شبكة أمان للحركة الرياضية الشبابية الفلسطينية.

وقال إن لدينا كياناً رياضياً والرياضة صناعة وطنية، ونسعى أن تكون العناصر الأولية لهذه الصناعة، عناصر قادرة على المنافسة، ونريد لاعباً لديه مسار حرفي وقيمي وإنتماء لهذا الوطن.

وتحدث الرجوب عن وجود رياضة نسوية فلسطينية من خلال منتخب كرة القدم الذي لعب عدة مباريات ودية ودولية على أرض فلسطين وخارجها، مضيفاً أنه لابد من تصويب أوضاع الرياضة الجامعية والمدرسية لتساهم في تطور الواقع الرياضي.

الإعلام إقناع وتأثير

بدوره، أوضح رئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية محمد جميل عبدالقادر أن الإعلاميين العرب حثوا الخطى من كل فج عميق لكي يكونوا بجانب الشعب الفلسطيني في الذكرى الـ64 للنكبة، لحمل راية الرأي العام في العالم العربي.

واعتبر عبدالقادر الرياضة من أهم المظاهر الإنسانية، وأن الإعلام هو الوسيلة المثلى للإقناع والتأثير خاصة إذا كانت إيجابية في فحواها.