لا أعتقد أن هناك جهة في العالم مسؤولة عن الاهتمام بالآثار والحفاظ عليها وتنميتها سياحيا تواجه عقبات فكرية مثلما تواجهه الهيئة العامة للسياحة والآثار في المملكة، فعلى الرغم من التصريحات الكثيرة التي يطلقها مسؤولو الهيئة عن خططهم المستقبلية، إلا أن الجميع يعرف أن هذه الخطط تواجه معضلة فكرية واجتماعية صعبة التجاوز، وخصوصا في الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث يلاحظ الزائر لهاتين المدينتين المقدستين ما يشبه التنافس الخفي والظاهر في بعض الأحيان بين مشاريع هيئة السياحة والآثار، وبعض الجهات التي تتحسس كثيرا من بعض الممارسات والطقوس التي يرددها بعض الحجاج أو زوار بعض الأماكن المقدسة. ومع أنه لا يمكن إنكار أن بعض تلك الممارسات قد تصل إلى حد الشركيات من قبل بعض الفئات ضعيفة التعليم في أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي، الذي يعاني من مشكلات متعددة في التعليم والوعي تنعكس على ما يمارس من عقائد تحتاج إلى عملية تصحيح بالتي هي أحسن، إلا أنه يمكن وضع حلول وسط لهذه المشكلة، بمراعاة الآراء الفقهية المعترف بها في مختلف الطوائف الإسلامية.

ولذلك أعتقد أنه على الرغم من اندثاربعض المواقع والآثار في مكة المكرمة على وجه الخصوص، وذلك بسبب التوسعات العمرانية للمشاعر المقدسة التي كانت تستلزم هدم بعض تلك المواقع، إلا أنه يمكن اللحاق على ما تبقى والحفاظ عليه بطرق حضارية تحفظ الأثر وتحفظ العقيدة في الوقت نفسه، وذلك من خلال تسوير تلك المواقع، حتى وإن وقعت في قلب العمران والتوسعات، ووضع لوحات عليها توضح حقيقة المكان، حسب المرويات التاريخية المعتبرة، فالتسوير يمنع الدخول لها سواء للعبث أو الممارسة العقدية غير الصحيحة، وفي الوقت نفسه يمكن الزائر من مشاهدتها كما هي من خلال الشبك الخارجي، وعدم السماح بالمكوث حولها سوى دقائق محدودة حتى لا يحدث تزاحم. فمن حق المسلمين في جميع دول العالم أن يتعرفوا على أماكن انطلاق الرسالة السماوية الخالدة بوعي وبسلوك حضاري ومن مبدأ "لا ضرر ولا ضرار".

وقبل حوالي الشهر سعدت بزيارة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم (طيبة الطيبة) وشاهدت فيها ما يسعد النفس من آثار إسلامية ما زالت قائمة ـ ولله الحمد ـ ولكنها تحتاج إلى عناية حقيقية، وخصوصا في توسعة الأماكن والطرق الموصلة لها، ووجود المرشدين السياحيين المتخصصين، ولو بمبالغ مالية رمزية، حتى تكتمل الصورة الناصعة للرسالة المحمدية في أذهان الزوار.