كل عيد وأنتنَّتم الأضحى، وليس الأضاحي كما في بقية السنة!

ويعود نقاش الأولويات من جديد، فعلى الرغم من أن الأضحية سنةٌ مؤكدة ومن أوجبها أوجبها على القادر فقط؛ فإنها تشكل عند "غثاء السيل" أهمية عجيبة تضطره للاستدانة أو التضحية بميزانية شهر كامل، وإذا قلت له: إن الحج وهو الركن الخامس يسقط عمّن لا يستطيع إليه سبيلا، قال: ياعيباااه! لو جاءك ضيف هل تقصر في واجبه لأنك لا تستطيع؟ فالمسألة إذن أصبحت أقرب إلى العادة منها إلى العبادة، رغم ما يصب في أذنك من أحاديث غير صحيحة حتى قال "ابن العربي": "ليس في فضل الأضحية حديث صحيح وقد روى فيها الناس عجائب لا تصح"!!

أما ارتفاع سعر الدجاج فمن حكمه الجليلة وفوائده العليلة أن يعيد للنقاش الرأي الأضعف الذي يجيز التضحية بدجاجة، لاسيما وقد ثار الدجاج على المبدأ التجاري السعودي: "الرخيص مخيس"! وتبعه السمك مباهياً بشهاداته الصحية من "الكافيار" إلى كبد الحوت، مروراً "بالإستاكوزا"!

ولكن من يستعرض التاريخ لن يتفاءل للدجاج بمستقبل محترم حتى ولو وصل سعر البيضة إلى ناقة مزيونة! لماذا يا ترى؟ ألأنه مسالمٌ يحمل أجنحة لا يستطيع بها الطيران، ومناقير لا تحميه من "بسة"، وأمخاخاً تلعب بها ثعالب السياسة الخارجية؟ ولهذا رفض الزميل/ "أبو العلاء المعري" أن يتناول مرقة فرخ الدجاج وهي الوصفة المجربة إلى اليوم في معالجة "السخونة" وقال: "استضعفوك فوصفوك.. هلا وصفوا شبل الأسد"؟

أما الزميلة/ "زعيطة" فتقول في معلقتها الشهيرة: "أذن الديك وتْسَاتْسَا (كاكا)/ يحسبنِّي دجاجة/ ما درى أني زعيطة/ بنت شيخ البساسة"!

ولكن ألا تنسحب هذه السلمية الخانعة على "بني خروف" أيضاً؟ وإذا أمكن أن نعزو احتقار الدجاج في ثقافتنا إلى أن الكنيسة احتفت به في أعيادها ـ حتى وجد فيها الزميل/ "فولتير" وجبة دسمة للسخرية من الكهنة الذين يأمرون الناس بالزهد وعدم الانغماس في"وسخ الدنيا" وهم يملكون مزارع الدجاج الشاسعة باسم الرب ـ فكيف نفسر احتقاره لدى الأوروبيين أنفسهم فيقال للجبان بالإنجليزية: "إخص يا "تشيكن" وليس يا "خنزير" مثلاً؟

يعود السبب ـ بلا شك ولا تطريز ولا تخريم ـ إلى ارتباط الدجاجة والبيضة بالفلسفة "اسم الله علينا"؛ حيث ما زال الجدل البيزنطي مستمراً: أيهما وجد أولاً؟ ولم يتطرق أحد ولا أربعاء لدور "الديك" رغم أنه بقليل من التأمل يتحمل المسؤولية كاملة؛ ألسنا نقول: "بيضة ديك"؟ فما ذنب الدجاجة؟ هل هي الثقافة الذكورية؟ طبعاً.. بدليل أن الفرنسيين اتخذوه شعاراً لفرقهم الرياضية؛ وقد صححوا مؤخراً الخطأ العربي الذي وصف ما فعله الزميل/ "زين الدين زيدان" في كأس العالم 2006م بـ"النطحة"، وهو "نقرة ديك" تستحق أن تخلد في نصب تذكاري يعبر عن الكبرياء "الفغانكفونية"! ولهذا فهو "زين الدين النقار" من الآن وليس "النطاح" كما في ثقافتنا الخرفانية!