عندما تسمع مراجعا في أحد المستشفيات، يطلب من الطبيبة رقم هاتفها الشخصي، فلا تبعد بك الظنون كثيرا، وتسيء الظن بالمراجع المسكين أو الطبيبة المغلوبة على أمرها. فهذا الأمر، ليس له إلا معنى واحد، وهو أنك الآن في مستشفى الولادة والأطفال بالأحساء.
قد يبدو هذا الأمر غريبا بالفعل، إلا أنني تحققت منه بنفسي، فالأطباء والاستشاريون لا يستطيعون التواصل مع أهل المرضى أو حتى مع بعضهم، إلا عن طريق هواتفهم الشخصية، فهم غير مربوطين بشبكة اتصال أو استدعاء داخلية لذلك فهم لا يحملون (البيجر) كباقي الأطباء في كل المستشفيات، وبالرغم من أنه أمر مخجل ألا يتمكن مستشفى بهذا الحجم وبكل الميزانية والإمكانات المرصودة له، من وضع حل عملي لهذه المشكلة، إلا أن الأمر يزيد سوءا وإحراجا (فوق فاتورة التكاليف المادية التي يتحملها الطبيب أو الاستشاري عن المستشفى)، لو كان الطبيب أو الاستشاري طبيبة (امرأة).. فهي مضطرة إلى توزيع رقم هاتفها الشخصي بين زملائها الأطباء، ومرضاها وذويهم، متجاهلة وبشكل إنساني، ما سوف تتعرض له من قلق ومضايقات، حتى خارج دوامها، فضلا عما يترتب عليه من اختراق خصوصية الطبيب أو الطبيبة عن طريق برامج التواصل الكثيرة المتعلقة برقم الهاتف كبرنامج (الواتس اب) مثلا. لم أكن أعتقد حتى وقت قريب، أن حالة الإهمال والتقصير التي يعاني منها المريض في مستشفياتنا، امتدت إلى الأطباء والطبيبات، حتى وقفت على هذا الأمر بنفسي، لكن الطبيب في الغالب يؤثر الحديث عن احتياجات مريضه، ويصمت عما يجب أن تهتم به الشؤون الصحية في منطقته، التي أعتقد أنها على علم بكل مشاكل المرضى والأطباء، إلا أنها تقف موقف المتفرج. فالخدمات المقدمة للأطباء الذين تقوم على أكتافهم المستشفيات سيئة للغاية، فغرف الاستراحة التي يحتاجها المناوبون والمناوبات، ذات أسرّة متهالكة ومفارش متسخة، فضلا عن افتقارها للخصوصية، ودورات المياه لا تقل عن هذا المستوى إهمالا، وعلى الرغم من أن الطبيب المناوب يقضي أربعا وعشرين ساعة متواصلة على رأس عمله، إلا أنه لا يجد (كافتيريا) يعتمد عليها في تأمين احتياجاته الغذائية، فليس أمامه إلا أن يشارك مرضاه وجباتهم، أو يطلب من المطاعم الخارجية.
وفي الوقت الذي قد يجد الطبيب الرجل متنفسا عن طريق حرية الحركة المتاحة له، فسيارته في المتناول ويستطيع المغادرة والعودة في أي وقت، تستسلم الطبيبات لقبضة سوء الخدمات وصعوبة الوضع وترديه، وكلما اشتكت إحداهن أو تأففت، أجابتها الأخرى من باب الدعم والمؤازرة وكتعبير عن عجزهم في مواجهة هذه المشاكل (إن شاء الله على أجر يا دكتورة).