سأقسم الحديث هنا بين الشباب والمؤسسات، وأبدأ بالشباب. يقول براين تريسيBrian Tracy المفكر المعروف: "إذا لم تحاول 135 مرة للوصول إلى هدفك فإنك لم تحاول"، وهو هنا بلا شك يحرض على الإصرار للوصول إلى الهدف وعدم اليأس بعد عدد قليل من المحاولات.. ولا شك أن الناجحين هم الذين لا يعرف اليأس طريقاً إلى نفوسهم.. وقد سمعنا قصة أديسون المشهورة عندما طلب منه التوقف عن محاولاته اليائسة التي بلغت المئات فقال: أنا لم أفشل مئات المرات وإنما اكتشفت مئات الطرق التي لا تؤدي إلى الحقيقة. هذا ما نود قوله لشبابنا أولاً.. وثانياً نقول لهم إنكم تظنون أن النجاحات تُعطى، وفي الواقع وعندما ننظر إلى تاريخ العظماء والناجحين بشكل عام سنجد أن النجاحات التي وصلوا إليها لم تعط لهم بل إن كل النجاحات التي حققوها كانت تُؤخذ من قبلهم ولم يعطها إياهم أحد.
النجاحات اكتساب وليست أُعطيات، ولكن الآخذين يتمتعون بقوة الجد والإصرار والتمكن. الجد في مواصلة البحث عن النجاح، والإصرار.. عدم الشعور بالإحباط مهما بلغ عدد المحاولات، والتمكن أن يكون للشخص من القدرات والثقة ما يشحنه بشكل مستمر بالطاقة التي توصله لمحطته الأخيرة التي يريد الوصول إليها. والبعض يظن خطأ أن المؤهل الذي يحصل عليه هو "الفيزا" التي تدخله لعالم النجاح. والواقع أن المؤهل هو واحد فقط من متطلبات الوصول إلى المحطة المبتغاة.
هذه المقدمة مهمة للخطوات التي سأتحدث عنها للوصول إلى النجاح المأمول. لنتحدث عن تجربة واقعية في بلد ليس من البلدان التي تحتل الصف الأول في التقدم حتى لا يُقال إن المقارنة ليست عادلة. هذا البلد هو الفلبين. ولنأخذ مثال التمريض مثلا، فمتخرج أو متخرجة التمريض في الفلبين، كلاهما يتقدم للوظيفة في البداية للعمل مجاناً من أجل كسب الخبرة. والفرق هنا أن المتقدم لديه هدف واضح يريد الوصول إليه، وهذا ما يفتقده شبابنا الذين ليس لمعظمهم أهداف واضحة يسعون للوصول إليها. وإذا ما قبل الممرض أو قبلت الممرضة للعمل سعيا بجد واجتهاد لكسب أعلى مستوى من الخبرة والسلوك الانضباطي. فإذا ما اكتسبا الخبرة وحققا سمعة كبيرة في العمل وحصلا على تقارير أداء عالية تقدما للعمل في أماكن عديدة خارجية وداخلية، وكانت أمامهما خيارات كثيرة إلى درجة أن المؤسسات التي احتضنتهما للتجربة تفاوضهما للبقاء بمميزات مجزية إلا أن الخيارات أمامهما كثيرة وعديدة. هذه تجارب واقعية آمل أن يستفيد منها شبابنا وألا يستعجلوا النجاح بدون خبرات وممارسة فعلية للعمل وسلوكيات عملية إيجابية. وليعلموا أن استعجال النجاح طريق مسدود. هذه هي القصة الأولى، والقصة الثانية أيضاً من الواقع. ولولا أنها تكشف معلومات شخصية لرويتها بالأشخاص والأماكن. فهي قصة نجاج تستحق فعلاً أن تُروى وأن يستفاد منها. هي لشاب تخرج في تخصص أدبي واختار العمل في إحدى المؤسسات قائلاً لمسؤول التوظيف الذي قابله إنه لا يشترط راتباً محدداً ولا يهمه المبلغ الذي يُقدم له لكنه يشترط أن ينتقل كل ثلاثة أشهر في قسم من أقسام الشركة بهدف كسب الخبرة، وإن هذا التوجه أيضاً يخدم المؤسسة، لأن الموظف سيتعرف على جوانب عمل المؤسسة مما يمكّن الموظف من تقديم أداء أفضل لها، وتم له ذلك. وبعد العمل في تلك المؤسسة لمدة ثلاث سنوات تعرف من خلالها على كل جوانب المهنة قدم استقالته من تلك المؤسسة ليبدأ عملاً خاصاً به في مقر متواضع، ولأنه يمتلك المؤهل والخبرة الواسعة أصبح يسير بخطوات ثابتة في التوسع إلى أن أصبح مكتبه الآن في العاصمة يحتل مبنى يملكه بالكامل، ذا أربعة طوابق، وأصبحت له اتصالات وتعاملات داخلية وخارجية بعشرات الملايين. كيف تحقق ذلك؟ كان لديه هدف، هذا أولاً ثم إن لديه التأهيل ثانياً، وثالثاً حصل على الخبرة الواسعة، ورابعاً وضع نفسه في المكان الصحيح. إنها قصة نجاح خطواتها لا تشكل معجزة. ليس المطلوب من الجميع أن يصلوا إلى هذا المستوى من النجاح، لكن يمكن بهذه الخطوات تحقيق نجاحات مقبولة وتحقق الرضا لأصحابها. مشكلتنا أننا ننتظر أن يُعطى لنا النجاح، وسِيَرْ جميع الناجحين تثبت أنهم حققوا النجاح بأنفسهم ولم يحققه لهم أحد. نحن المسلمين نقول إن هناك توفيق الله أولاً وأخيراً، وهذا صحيح، لكن ديننا يأمرنا بأن "نعقل ونتوكل" كما هو معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في قصة الإعرابي ودابته المعروفة.
هذا ما يتعلق بالشباب. أما ما يتعلق بالمؤسسات فلا شك أن دورها مهم، ليس فقط في التوظيف لكن أيضاً في التدريب وإعطاء الحقوق كاملة، ولنعرف أن الوظيفة الجيدة هي التي تؤهل ولها مردود مادي جيد، وهي التي تخلق من الفرد شخصا متميزاً.. فلا نطالب بالحقوق كمؤسسات قبل أن نقوم بالواجبات..
وخلاصة القول، نقول لشبابنا: كم منكم يقترب من عمله وله أهداف طموحة؟ وكم منكم يتدفق أثناء عمله نشاطاً وإبداعاً ويقدم الجديد تلو الجديد بصورة مستمرة حتى يشعر أنه يصنع الفرق في مؤسسته التي يعمل فيها؟ وكم منكم يمتلك الأدوات والمهارات ويتأقلم مع العاملين ويعمل معهم محافظاً على روح العمل الجماعي؟ كم منكم له مبادرات في تطوير عمله، لديه رؤية يعرف إلى أين يتجه؟ كم منكم ينظر إلى الإحباطات والمشكلات كفرص يتعلم منها ليرتقي إلى الأمام لا كمعوقات تصدمه وتحبطه؟ كم منكم يعمل بصمت لا يملأ الدنيا ضجيجاً بالكلام ؟ كم منكم يخطئ ويقترب من رئيسه في العمل ليقول له لقد أخطأت وسيكون خطئي فرصة أتعلم منها بدلاً من صرف وقته وتفكيره في التفكير في المبررات وسردها؟ وكم منكم يعرف أن النوع الأول أكثر قبولاً وثقة من الثاني؟ كم منكم يعرف أن العصر اليوم هو عصر التميز ولا مكان فيه للمجاملات والمحسوبيات؟
ونقول للمؤسسات إن الوظيفة الجيدة تخلق موظفا جيداً، وحتى تكون الوظيفة جيدة لا بد أن يواكبها مقابل جيد وتدريب جيد وتفاعل جيد وتعامل جيد.. أربعة شروط سهلة التحقق.. صدقوني إن توفرت وشعر بها الشاب من صاحب العمل فستكون النتيجة أن يكسب الطرفان،لأن رغبات الطرفين ستتحقق ومخاوف الطرفين ستتبدد.. بهذا كله نبتعد عن المفاهيم السابقة المغلوطة من قبل الطرفين.