اختارت هذه "الوطن" من الخطاب السامي الملكي ليلة تدشين وافتتاح بعض منشآت وزارة الصحة جملة رائعة من كلمات خادم الحرمين الشريفين وهو يقول (الناس تحكي والمهم الصدق). وسنكذب على الواقع، إذا لم نكتب الأمل. هناك تنمية كبرى لا ينكرها إلا جاحد. نحن ورشة البناء الأولى في السنوات الخمس الأخيرة بحسب تقرير المنظمة الدولية للبناء والعمران، ونحن وحدنا نستورد رافعة صفراء من بين كل عشر رافعات على مدن العالم وأبراجه ومنشآته. (المهم الصدق)، ومن التضليل ألا نأخذ كلمات الوالد الغالي من القلب إلى القلب، ومن الخطأ أن نظن أن (حكي الناس) محصور فقط في وزارة الصحة. هناك بطء قاتل لمئات المشاريع ومئات المليارات التي يبدو أن جيلاً يضع لها أحجار الأساس، فيما يقص أشرطة التدشين ذلك الجيل الذي سيأتي من بعده. هذه كارثة إدارية وليست مالية أو تنموية. الجامعة التي أحلم طوال عمري بالتدريس فيها لها اليوم ست سنوات منذ الطوبة الأولى التي قالوا إنها ستكسى بالألوان الأخيرة في ظرف ثلاث سنين. ومن المؤكد، وعلى مسؤوليتي، أنها ستحتاج إلى خمس سنين أخرى من اليوم حتى يدخلها أول طالب جامعي. ماسورة المياه المثبتة على جدار منزلي ما زالت رسماً منذ أربع سنين ومن المؤكد أنها ستظل رسماً لثلاث سنين من اليوم. المدينة الطبية الصادرة بقرار من الوالد الأغلى الأعلى، ما زالت بضع جرافات تمهد للمكان منذ عامين وعلى هذه الوتيرة سيدخل جيلي بأكمله إلى مرحلة (الخرف) قبل أن نعلم عن يوم الشريط الحلم لكسر أقفال هذه الفكرة الورقية. وسأعيد اليوم كتابة ما قلته قبل أكثر من عام من أنني، بشكل شخصي، أعرف خمسة مستشفيات مكتملة البناء تماماً منذ عامين وما زالت وكراً للغربان دون أن أعرف السبب. ومن اليوم جربوا فكرة (المئة يوم) من منصب صاحب المعالي أو صاحب السعادة. دعونا نطالب المسؤول بكشف للمحاسبة، نحاسبه على أجندة يكتبها عما سيفعل خلال مئة شهر من منصبه. دعونا نعطه الفرصة لمئة يوم يتعرف فيها على مكتبه وطواقمه وإمكانات فريقه. لماذا نستورد عشر رافعات العالم الصفراء ثم نتركها للصدأ فوق هذه المنشآت المتناثرة. لماذا (يكثر حكي الناس) دون أن نجد من المسؤول الأعلى في الوزارة إجابة يكون فيها (الصدق هو الأهم). لماذا يتعالج الآلاف ويدرس الملايين في ذات المباني القديمة رغم مليارات ورشة البناء اللامكتملة؟ لماذا نظل أسرى للسؤال الذي يبتدأ بـ(لماذا وكيف ومتى) رغم أننا البلد الوحيد في الكون الذي لم تمر عليه وطأة الأزمة المالية ولم يعرف مخارج عنق الزجاجة؟ لماذا الإصرار على أن نعيش في عنق الزجاجة. كي لا نكذب.