منذ نصف قرنٍ على الأقل والمنابر تضج بالغضب على إسرائيل ومن أسرلها، وأميركا ومن مركنها، واليهود ومن هاودهم، والنصارى ومن ناصرهم، والهندوس ومن هندسهم، والماركسية ومن مركسها، والاشتراكية ومن شركنها، والرأسمالية ومن رسملها، والعلمانية ومن علمنها، والليبرالية ومن لبرلها، حتى ليخيل إليك أن هذه الأمواج المتلاطمة من القانتين الغاضبين لن تنتهي من قول: "آمين" إلا وقد أباد الله كل المغضوب عليهم والضالين وأبقانا نحن فقط صفوة المؤمنين المالكين وحدنا للحقيقة المطلقة! نحن الذين نقف بين يديه خمس مراتٍ على الأقل في اليوم والليلة لم نغش ولم نخن ولم نظلم ولم ننافق ولم نفتح محطات البنزين والصيدليات وقت الصلاة ولم نؤخر صلاة العشاء! ونصوم رمضان ولم نشهد الزور، ونؤدي الزكاة ولم نجد من يستحقها بيننا، ونحج ولم نتكبر ولم نرفث ولم نفسق، لنرجع كما ولدتنا أمهاتنا، وإسرائيل ليست كما ولدتها أمهاتها بل أصبحت شحطاً يقف على زنده مليار شحط يرددون "آمين" مع الشحط الأكبر/ أميركا التي لم تزد إلا تجبراً وطغياناً!
أما النصارى ومن ناصرهم فقد وصلوا "الأماكن كلها" و"يقطع الحب شو بيزل"!
و... يا أخي انظر إلى الجانب المشرق: ألم تسقط الاشتراكية، وها هي الرأسمالية تترنح كالذي يتخبطه الشيطان من المس بفضل دعواتنا الساحقة الماحقة وليس بفضل بنوك "مرتاع البال"؟ ولكن لماذا دأبنا أن نوجه دعواتنا لتدمير الشر ولا نكاد نذكر تعمير الخير؟ ولماذا حصرنا الدعاء على الطلب والسؤال، وقد قال نبي الإنسانية ـ فداه كل من خان رسالته وشوه تعاليمها ـ: "الدعاء هو العبادة" وليس "مخ العبادة" كما هو شائع؟ ونتلو قوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين"؛ ولا نشعر بأننا نمارس تشويهاً مركباً حين نقفز من جوهر العبادة إلى مظهرها مستعجلين الثمرة قبل فلاحة الشجرة ورعايتها؛ فنتلو قوله تعالى: "واسألوا الله من فضله" ونسأله ما تكفل به سبحانه من الرزق (ويشمل المال والزواج والخلفة والملف العلاقي الأخضر كله)! ونسأله طول العمر ونحن نعلم يقيناً أنه كتاب مؤجل مذ كنا في بطون أمهاتنا! بل ونسأله أن يغير سنته فينصر أمة متخاذلة متخلفة على أمة مثابرة متقدمة، حتى في كرة القدم لذوي الاحتياجات الخاصة! ولا نسأل أنفسنا: هل من فضل الله ـ مثلاً ـ أن يموت الزوج تحت تريلا حديد استجابة لغضب زوجته المقهورة؟ أم أن يهدينا ويصلح بالنا جميعاً؟
لم يفهم الدعاء كمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ كان يسأل الله الهداية لصناديد الكفر والعناد، فلما غضب ولعنهم في غزوة "أحد" نهاه تعالى قائلاً: "ليس لك من الأمر شيء..." آيه 127/ آل عمران!!