نعم، الحج عرفة، الحج ليس مجرد نسك، بل هو تجمع اقتصادي واجتماعي، ودروس في المساواة والعدل والنقاء. الحج ضرب وسياحة في الأرض، فرادى وأفواجا، كبارا وصغارا وأهلا وغرباء. الحج تعارف، تغيير في المكان والوجوه والعادات، حركة مستمرة، وحياة نشطة.
كل العبادات فيها أبعاد اجتماعية لكن الحج غير!. لقاء الحج تاج لقاءات العام، في الصلوات والجمع والأعياد، واللقاء أنس وسلام وتسامح، لا يبدأ من تبادل المنافع ولا ينتهي بـ"افعل ولا حرج". وتلك أكبر غايات الدين كله.
في قوله عليه السلام: "الحج عرفة" إشارة قوية، ليس على أن صلب النسك هو الوقوف بعرفة فحسب وإنما، أيضاً على غاية الحج العظمى، اتحاد الحجيج في مكان واحد وزمان واحد، الوحدة مع الآخرين في ذات اللحظة وذات البقعة.
أطول نسك جماعيّ هو الحج، يستوون في بساطة اللبس ورمزية نقائه وتجرده.
يصل الناس أشتاتاً من كل فج عميق إلى مكة، ينسجون العلاقات ويشهدون المنافع وتضمهم البطاح والأسواق والطرقات ثم يدفعهم النسك إلى دوائر أقل في المكان والزمان شيئا فشيئا حتى يصل إلى ذروته وغايته حين يقفون معا قبيل الغروب يتأهبون وعيونهم على الشمس حتى تغرب، كل الحشود في ذات المكان وذات الزمان وذات الفعل وذات الاتجاه، إنها لحظة عرفة، لحظة الحج الكبرى إذ يسيل سيلهم المبارك في أجمل رحلة ليلية.
لا يشتكي الناس من الخدمات ولا من الطرقات، ولا يشتكون مخمصة ولا فاقة فبفضل الله قد يسّر المخلصون عسيرها. الناس يشتكون من غلاء حملات الحج، إنها باهظة لمتوسطي الدخل فكيف بمن هو أدنى، يرون الغلاء ولا يرون له سبباً ولا يسمعون له تفسيرا، ولا يجدون عنه مناصا ولا يعرفون لهم ناصراً.
ما يزال الناس في انتظار الوزارات ذات الصلة ومؤسسات الطوافة ليجيبوا على السؤال المستمر. أخشى أن أكون وحدي الذي أنتظر الجواب لأني أفكر بأن أحج السنة القادمة بإذن الله.