ستبدأ بعد أسبوعين الانتخابات الأميركية التي ستحدد من سيتولى قيادة الولايات المتحدة للسنوات الأربع المقبلة، فهل يكون المرشح الديموقراطي الرئيس باراك أوباما أم المرشح الجمهوري ميت رومني؟

ولأنها أميركا التي تقود عالما لا يزال أحادي القطب فمن الطبيعي أن تشغل انتخاباتها اهتمام الكثيرين. والمرشحان يختلفان في أمور كثيرة لها علاقة بالشأن الداخلي الأميركي، مثل نظام التأمين الصحي وضريبة الدخل وخططهم لانتشال الاقتصاد الأميركي المنهك، لكن ما أثار اهتمامي خلال سنة الانتخابات هذه هو موقف المرشحين وحزبيهما من المرأة.

يعتقد الكثير من المحللين بأن الأصوات التي يتوقع أن ترجح كفة الرئيس أوباما هي أصوات النساء، نظرا لسياسة حزبه وأفكاره فيما يتعلق بقضاياهن التي تعد تقدمية جدا مقارنة مع الحزب الجمهوري. وقد تحولت قضايا المرأة في هذه الانتخابات تحديدا لكرة من الاتهامات يتبادلها الطرفان وصلت إلى حد اتهام الديموقراطيين لخصومهم بأنهم يشنون حربا على النساء مستندين على نظرة دينية وتقليدية ضيقة لها يفترض أن تكون أميركا قد تجاوزتها، في حين يرى خصومهم بأن الديموقراطيين يريدون إخراج المرأة من بيتها بدون هدف ولا يحترمون دور ربة المنزل غير العاملة التي تقوم بأداء دورها بتفان كزوجة وأم.

فالجمهوريون مثلا يعارضون إجبار الجامعات والمستشفيات الكاثوليكية على تغطية تكاليف حبوب منع الحمل ضمن خطة التأمين الصحي للعاملات في هذه القطاعات ويرون في ذلك حربا على الدين كما قال المرشح السابق نيوت غنغرتش، إذ يرون بأن المرأة التي تستخدمها هي غالبا تلك التي تريد ممارسة العلاقات المتعددة خارج إطار الزوجية! وكلنا يعرف موقف الكنيسة المسيحية من هذه الحبوب ومن قضايا تحديد وتنظيم النسل. ويرد عليهم الديموقراطيون بأن هذا القول ليس فقط فيه تعد على حريات المرأة الراشدة وخياراتها في الحياة، بل إنه يكشف عن جهل طبي فاضح. فهذه الحبوب لا تستخدم فقط لمنع الحمل بل لعلاج الكثير من الأمراض النسوية مثل اختلال الهرمونات وعدم انتظام الدورة الشهرية، وتستخدم أيضا من قبل النساء المتزوجات من أجل تنظيم الإنجاب وهو حق طبيعي لهن من دون وصاية حكومية أو من جهة العمل.

وإبداعات الحزب الجمهوري في هذا الموضوع لم تتوقف، بل وصلت ذروة إهانتها كما تعتقد الكثير من نساء المجتمع الأميركي مع قضية الإجهاض. فلم تكن المشكلة في أن الحزب الجمهوري، الذي تحول خلال السنوات الأخيرة إلى حزب يميني مسيحي متطرف وابتعد كثيرا عن أفكار ومبادئ رجالاته الأوائل مثل الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن، يعارض هذه الفكرة ويطالب بسن قوانين تجرمها بالمطلق مستندا على آراء الكنيسة ومعلنا أنه مؤيد للحياة بالمطلق بل في تعصبه لهذا الرأي دون اعتبار للحقائق الطبية والعلمية. فمن ناحية يروج بعض ممثليه بأنه لا يوجد سبب طبي يؤكد أن هناك حالات طبية حقيقية تستوجب الإجهاض حفاظا على حياة الأم، وهو قول يستطيع طالب في كلية الطب يدرس طب النساء والتوليد دحضه. ويعتقدون بأن الطفل من حقه أن يولد ولو تبين عبر الفحوصات الطبية أنه مريض أو معاق أو مشوه، فهذا من قبيل الرضا بقضاء الخالق.

والأسوأ هو موقفهم من اللواتي يحملن عبر الاغتصاب، لاسيما لو كن قاصرات، فمرة أخرى يبرز تبرير من قبل أحد رجالات الجمهوريين الكبار في الكونجرس تود آكن، والذي أكد فيه بأن المرأة لا يمكن أن تُغتصب أو أن تحمل من الاغتصاب! لأن جسم المرأة، وتحديدا المهبل، لديه آلية خاصة ليغلق بوابته إذا كانت المرأة رافضة فعلا، كما أن حيامن المغتصب فيما لو دخلت فعلا ستقتل قبل الالتقاء بالبويضة! وكأن هناك نقاط تفتيش على مدخل قناة فالوب تتأكد من كون النطفة الذكرية قادمة من زوج أو حبيب أم من عدو مغتصب! وهذا القول ينطوي على فكرة شديدة الإهانة للنساء حول العالم، واللاتي عانين من أبشع صورة من صور انتهاك حقوق الإنسان والعنف الجسدي وهي الاغتصاب، إذ يقول لهن بأنهن كاذبات وأن ما حدث تم برضائهن. ثم يقول بأنه حتى لو لم تعمل هذه الآلية وحملت فلا يحق للمغتصبة معاقبة الطفل بجريمة أبيه.

وحانت فرصة الجمهوريين ليكسبوا شيئا من الدعم النسوي الذي فقدوه وذلك عبر تصريح أدلت به صحفية أميركية مقربة من البيت الأبيض اسمها هيلاري روزين، والتي كانت تعلق على مقولة كررها المرشح الجمهوري عن استشارته الدائمة لزوجته فيما يتعلق بمطالب النساء، قائلة: "لا يحق لها - آن رومني - بأن تدلي بدلوها فيما يتعلق بالنساء العاملات وهي التي لم تعمل يوما في حياتها". فأخذها الخصوم وسيلة للهجوم على الديموقراطيين بالقول بأنهم يقللون من دور الأم والزوجة وربة المنزل التي تختار أن تبقى فيه لترعى عائلتها بنفسها، وفي ذلك تدخل في خيارات المرأة وتقليل من دورها الفطري العظيم، وهي اتهامات وجدت لها صدى في المجتمع الأميركي أيضا والمكون من خليط من النساء من كافة الأطياف، مما اضطر البيت الأبيض للنأي بنفسه عن أقوالها قائلا بأن أفكارها تمثلها وحدها.

وتستمر الاتهامات المتبادلة بين الطرفين حتى نهاية السباق وستتضح النتائج خلال أقل من شهر، لكن المثير للاهتمام بالنسبة للمرأة العربية التي تابعت الانتخابات الأميركية التي ما زالت تناضل في منطقتها من أجل إقرار الكثير من الحقوق الشرعية، والتي تحاول إزالة الأفكار التقليدية والتي فيها الكثير من الوصاية والظلم، إدراكها بأن مجتمعها ليس بدعا عن غيره، وأنه في أكبر الديموقراطيات الغربية ما زالت نظيراتها يناضلن أيضا مثلها وإن اختلفت الدرجة أو الأسلوب أو حدة المعاناة بسبب أسبقية مجتمعها في التاريخ الحديث، وبالتالي فإن عليها مواصلة نضالها المشروع بوعي وثبات. وكذلك الإدراك بأن الحلول لمشكلات مجتمعها يجب أن تنبع منه هو لا أن تستورد بشكل أعمى من مجتمعات غيرها، فهذه المجتمعات هي بنفسها غير كاملة وما زالت تبحث عن الحلول من بيئتها لا عبر استيرادها من الشرق أو الغرب. أفكار آمل أن تعيها النسويات العربيات الجدد قبل أن يعتلين المنابر أو يدبجن المقالات في نقد مجتمعاتهن ومدح المجتمع الأميركي المثالي.