في آخر مقابلة مع كريج فنتر في صيف عام 2010م اللاهب، الذي كان السباق الأول لكسر قفل الشيفرة الوراثية في خلية الإنسان، في يونيو 2000 م، قال بالحرف الواحد: نحن بعد عشر سنوات من الكشف المثير كنا نظن أننا وصلنا إلى كنز الكابتن سيلفر في الجزيرة، ولكننا بكلمة مختصرة لانعرف شيئاً؟ وهو اعتراف صعب جدا من رجل عنيد في البحث معتد بنفسه للغاية، قال الرجل وقد ابيضت لحيته وغمق لون جلده من شمس البحار بعد أن أخذ استراحة في برشلونة في إسبانيا، إنه عاكف على كشف الجينوم في عشرات الملايين من مخلوقات البحار قبل اندثارها وانقراضها، ربما وصل الرقم إلى 41 مليونا من الخلائق حسب طريقته السريعة في الوصول إلى الجينوم.

ولكن المثير أنه أشار إلى معلومات جديدة هي أن الجينات ليست كما كان متوقعا تصل إلى 140 ألفا في الخلية بل ربما 40 ألفا بل حتى إلى نصف هذا العدد، كما أن طريقة عملها مثل رياضيات التفاضل والتكامل. فليس من جين يتيم يقرر شيئا بل شبكة من الجينات.

لقد عرفنا حديثا أن الكروموسوم الذكري صغير الحجم يشبه حرف الواي (Y) باللغة الإنجليزية أو الشوكة، أما كروموسوم الأنوثة فهو يشبه حرف الإكس (X) باللغة الإنجليزية، ومن العجائب التي أماط الطب اللثام عنها تآكل وذوبان الكروموسوم الذكري عبر القرون، وهي رحلة ماضية في سبيلها سوف تنهي الذكور إلى الأبد، ويستمر التكاثر في طرق جديدة، حيث إن التكاثر الجنسي هو نشاط الطبيعة الأعظم، ولكن هناك لون من التكاثر السوماتي (Somatic) بدون جنس، والجنس اختراع للطبيعة تم قبل ـ ربما ـ نصف مليار سنة، سنة الله في خلقه.

ثم عرفنا العجيب عن تركيب الكروموسومات، إنها تشبه السلم الملفوف (اللولب المزدوج الهيليكس) وهو خيط إذا مط ومد بلغ طوله قريبا من مترين، وهو تصور يذهل الواحد له، الكروموسوم يحتاج أن يكبر ثلاثة آلاف مرة حتى تراه العين؟

ثم عرف أن طرفي هذا الحبل الذي يشبه درج المنارة الداخلي أو سلم الصعود يشبه عقد نبات القصب، أي تراكب أحماض نووية فوق بعضها البعض، وعرف أنها مكونة من أربعة أحماض نووية تتبادل المواقع على نحو غامض، وهذه الأحماض الأربعة تأخذ الحروف أ ـ سي ـ تي ـ جي (ACTG) باللغة الإنجليزية.

وهذه اللغة العجائبية هي سر الجينات، أي كمية محددة من هذه الأحرف تشكل لغة الخلق السرية، وعرف أيضا أن هذين الحبلين الممتدين من تراكب هذه الحروف الأربعة وتراصها إلى جانب بعضها البعض هو الذي يوعز للخلية في تشكيل البروتينات اللازمة للبناء الحيوي.

وعرف أيضا أن هذين الشريطين يشبهان سحاب البنطلون من وجه، ولكن السحاب يفتح ويغلق دفعة واحدة للأسفل والأعلى أما هو في شريط الكود الوراثي فيفتح في أماكن شتى، مثل التنفس، فيأتي من داخل الخلية ما يشبهه ويطلق عليه ر ـ ن ـ آ (RNA) فيأخذ نسخا مما يحتاجه البدن وقدرت أعداد النسخ في اللحظة الواحدة بـ 500 بليون نسخة بدون خطأ واحد؟ فتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.