تواجه الباحثين في تاريخ ونماذج فن السيرة مشكلة التصنيف؛ ذلك أن الفن الرئيس في هذا الباب، وهو السيرة الذاتية، جنس أدبي جديد – عند العرب - ولذا لما يحدد مفهومه تحديدا دقيقا، وإن كان فن السيرة – بفرعيه: الذاتي، والغيري - قد نشأ تابعا للتاريخ، مرتبطا به، وكان ذلك الارتباط أظهر عند العرب والمسلمين، وهو ما يعلله الدكتور إحسان عباس بأن "المؤرخين المسلمين كانوا يرون السيرة جزءا من التاريخ، بل يرون أن التاريخ ليس إلا سير الحاكمين"، مما يجعل الناظر أمام اجتهادات متعددة في توصيف السيرة الذاتية، وأمام آراء مختلفة حول فنية السيرة الغيرية، وعلاقتها بالتاريخ العام، والشروط الأسلوبية والبنائية والتبويبية التي يجب أن تتوافر عليها لتكون على صلة بالفن، وإن لم تكن فنا خالصا، لأن السيرة الغيرية – في الغالب – تكون مشكلة من مقالات مختلفة كتبها أكثر من شخص، وهم يتباينون في قدراتهم الكتابية، وأدواتهم اللغوية، بل ومواقفهم من الشخصية.

وهنا يكون الاعتماد على التعريفات التي تتسم بالمرونة، ولا تتشدد في وجوب توافر الشروط الجمالية، سمة غالبة على أعمال مؤرخي الأدب، والكاتبين عن ملامحه، كي يستطيع أي منهم إدراج ألوان مختلفة من السيرة بفرعيها: الغيري، والذاتي، فيتناولون: المذكرات، واليوميات، والاعترافات، وغيرها، مما يكتبه الأدباء عن أنفسهم بأساليب مختلفة، ويعدها بعض الباحثين فروعا تابعة للسيرة الذاتية، ويشيرون إلى: الكتب التكريمية، والأعداد الخاصة بسير بعض الأدباء مما درجت على إصداره بعض المجلات الثقافية، والمقالات المجموعة عن سيرة شخص ما، مما كتبه – عن حياة الأدباء - غيرُهم، اعترافا بفضلهم، وتخليدا لجهودهم.

وعلى ذلك، فإننا نعرف السيرة الذاتية بأنها ما يكتبه الكاتب عن حياته الماضية مجموعا في كتاب، أو منشورا على حلقات متتابعة في صحيفة أو مجلة، سواء أكان مذكرات، أم اعترافات، أم يوميات، أم سردا للأعمال والمنجزات. أما نماذج السيرة الغيرية فهي: ما كتب عن شخصية معروفة على مستوى الفن، والأدب، والسياسة، والمال والأعمال، أو أي مجال من مجالات التفوق، أو الفشل المؤدي إلى شهرة ما.

مشكلة السيرتين؛ الذاتية والغيرية، أنها قد تكون عن أشخاص لا يصلحون لأن يكونوا نماذج إنسانية، لكنهم يملكون المال، فيوعزون إلى المرتزقة والأتباع بالكتابة عنهم، ثم يطبعون كل ذلك الكذب في طبعات فاخرة، ويوزعونه على أوسع نطاق ممكن، ليكتبوا الخلود لأسماء لا تستحق الذكر، فضلا عن إعمال اللغة في الكتابة عنها.

والسؤال الذي يخرج من رحم المشكلة السابقة هو: أتستحق هذه الأعمال أن تكون ضمن أي عمل راصد لفن السيرة؟ وهل يكون تجاهلها في الرصد التاريخي والأعمال الببلوجرافية مناقضا للأمانة العلمية.

لا أدري؛ ولكنني ـ أخلاقيا ـ أرى أن تجاهلها وأهلها وكاتبيها أقرب إلى الصواب، لئلا نزيد الزيف لمعانا.