مر خبر موافقة الحكومة الفلبينية منح سكانها المسلمين الحكم الذاتي دون اهتمام. ويعكس هذا الإهمال مثالاً لغياب عربي عن أحوال بقية إخواننا المسلمين المستضعفين في بورما وسريلانكا والفلبين والصين وروسيا ودول أوروبا الشرقية، الذين يعانون من التفرقة والفقر. صحيح أن التطبيق العالمي الأعمى لقوانين مكافحة الإرهاب عمق هذا الغياب، لكن لعله يشكل اليوم سبباً لعودة عمل الإغاثة والجمعيات الإسلامية. ويأتي مسلمو الفلبين في قائمة أولويات المساعدات الإسلامية.
يمثل الإسلام في الفلبين قصة نادرة من التحمل والصبر يرويها 12 مليون مسلم فلبيني، منهم ذوو أصول عربية في منداناو وسولو وبقية الجزر. أدخل التجارالعرب الإسلام إلى الفلبين في القرن السادس الهجري وأقام فيها السادة الأشراف ممالك قوية وحضارة إسلامية عمرها 800 عام بمساجدها ومدارسها ومؤسساتها الدينية والمدنية، ومازالت لغاتها تحتفظ بكلمات عربية. وبداية من عام 1521م طوال مرحلة الاستعمار الإسباني والاحتلال الأميركي والياباني حتى نشأة الفلبين الحديثة سجل مسلمو الفلبين أروع الأمثلة في الحفاظ على دينهم وهويتهم، فانتصروا على حركات التنصير والتهميش والإقصاء والإبادة. وبعد مرحلة الاستقلال شكلوا جمعيات إسلامية تعليمية وجماعات للمقاومة لمواجهة التحدي المسيحي المتعصب الذي تسبب في قتل الآلاف وتشريد الملايين وإحراق مزارعهم وبيوتهم ومساجدهم ومدارسهم. بعد ذلك عقدوا عدة اتفاقيات لم تنفذها الحكومة، بدءاً من اتفاقية عام 1976 حتى اتفاقية عام 2008 التي جمدتها محكمة الفلبين العليا برغم جهود لجنة السلام برعاية المؤتمر الإسلامي في جدة وإسطنبول.
الآن بعد إتمام اتفاقية الحكم الذاتي، ماذا يمكننا تقديمه لمسلمي الفلبين؟ صحيح أن المساعدات التعليمية الإسلامية ضرورية، لكن لابد أن يقدم لهم العرب أيضاً مساعدات تنموية اقتصادية، فهم يحتاجون مدارس وكليات تقنية وطبية ومصانع ومستشفيات واستثمارات متنوعة. ولا شك أن هذه المساعدات سوف تؤتي ثمارها إذا أبعدنا عنها جدل الإسلام السياسي.