نحن أرواح تسكن أجسادا، وليس العكس ومن ليس لديه هذا الاعتقاد أو هذا السماح للنمو الروحي الداخلي لديه على مدار العام لن يكون مجديا أن يقوم به بضعة أيام ثم يعود للانحدار في ماديته البحتة، فالإنسان روح وجسد، نذكر بهذا ونحن في هذه الأيام المباركة الروحانية أيام الحج حيث يشارك العالم الإسلامي أجمعه روحيا في كل ممارسات العبادة والتأمل التي يؤديها المسلمون في مكة كل على طريقته. فالعبادة ليست موسما وينتهي، وليست أياما وتنقضي. إنها روحانية مستمرة لا تكف عن التأمل والعبادة، فالحج والصلاة عبادة عظيمة وهما نوع من أنواع التأمل. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إن تأمل ساعة خير من عبادة سنة). وكذلك عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله: (تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله).

إن التأمل الروحي هو حالة عقلية يصلها الإنسان من خلال تمارين روحانية فكرية يقوم بها وبواسطتها يتمكن من تحرير ذاته ونفسه من المخاوف والتوترات والاضطرابات والأفكار السلبية والعادات السيئة ويتخلص من كثير من الحالات المرضية الجسدية والنفسية.

من خلال التأمل الروحاني يصل الإنسان إلى حالة استرخاء الجسد والنفس والعقل وبإمكانه مراقبة وتأمل أفكاره وعقله ومشاعره، والسيطرة عليها دون تزييف وانحياز بسبب الأنانية والأطماع والحواس، إذ يرى الأمور بالبصيرة وليس بالبصر ويترفع عن أنانيته التي تشغل عقله العادي في الحياة اليومية. التأمل أن تتعلم عن نفسك، ومشاهدة نفسك، ومشاهدة طريقة ما تقوله، والقيل والقال، والكراهية، والغيرة. إذا كنت على علم بكل ما في نفسك، من دون أي خيار وهذا هو جزء من التأمل.

إن التأمل ضروري للنمو الروحي، إلى جانب الفريضة والصوم. ففي بعض الديانات، عرف الغرض من التأمل بأنه لإيقاظ طبيعة السماء والعقل، ويهدف إلى الوعي النقي وتأمل ماذا يكمن وراء كل من الحياة والموت. وقيل إن التقاليد التأملية سبقت ولادة المسيح بـ500 سنة وكانت موجودة في آسيا الصغرى.

تبيّن أيضا أن الممارسين للتأمل الروحاني يعيشون في حالة الهدوء النفسي والسلام الداخلي مع أنفسهم والاطمئنان الدائم أكثر بكثير من الناس العاديين، وأن مزاجهم هادئ ومتسامح ولطيف ولديهم قناعة واعتدال في أمور حياتهم. التأمل الروحاني هو الطريقة المثلى لتحرير النفس البشرية من قيودها في عالم المادة والتغييرات والأوهام. وقد عرف التأمل كعبادة وكنشاط عقلي على مر العصور إلا أن العبادة والتأمل كانا مصدرين للجدل عند كل الأمم ولكنهما ظلا فعلا روحانيا خفيا في علاقة الإنسان بالظلام والنور، والجهل والمعرفة والألم والسعادة.