كان إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية في موعدها بشكل منظم ونزيه أحد أهم التحديات التي تواجه الثورة في مصر، وهو ما نجحت السلطات المصرية في تأمينه بشكل مقبول. لكن هناك الكثير من التساؤلات التي لا تزال تحيط بكتابة الدستور المصري الجديد، وخاصة فيما يخص تضمينه مبادئ تضمن تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد. وقد نشرت "مؤسسة كارنيجي" في منتصف مايو المنصرم مجموعة من التساؤلات في هذا الخصوص وأجاب عليها الخبير ناثان بروان فيما يلي بعضها:
ما هو شعور المصريين إزاء الشريعة الإسلامية؟
ترى المحكمة الدستورية العليا وكثير من الشخصيات الفكرية والسياسية المصرية أن الشريعة الإسلامية وثيقة الصلة بالقانون المعاصر بطريقتين. أولا، تقوم الشريعة الإسلامية على أهداف عامة معينة أو مقاصد (مثل حماية الحياة أو الدين). ثانيا، مع أن ثمة تنوع في جميع التقاليد القانونية الإسلامية، إلا أن هناك عددا قليلاً من الأحكام أو النصوص التي لا تنازع، وهي موجودة بوضوح في المصادر وصريحة في معانيها بحيث لا يتم التنكر لها على نحو حصيف، ولذلك يجب أن تطاع.
ما الذي يرجح أن يتضمنه الدستور المصري الجديد؟
سيكون مضمونه على الأرجح كمضمون الدستور السابق. ثمة اتفاق واسع مفاجِئ في مصر مفاده أن ما يشبه المادة الثانية الحالية، التي تشير إلى أن الشريعة الإسلامية مصدر التشريع، ستظهر في الدستور المصري الجديد الذي ستتم صياغته هذا العام. وقد تم نسخها مباشرة من دستور العام 1971 الملغى إلى نص الإعلان الدستوري الصادر في مارس 2011، الذي ينظم الأمور حاليا بصورة مؤقتة.
ما الآثار القانونية المترتبة، في حال كرست مصر الشريعة الإسلامية في القانون؟
من الممكن أن تتطلّب المادة الثانية من الدستور، في إطار التفسير الناشئ بالإجماع، جعل القانون الجنائي في مصر متماشيا مع بعض القواعد القائمة على الشريعة الإسلامية. ولكن ينبغي أن يكون واضحا أنه مع وجود هذا الإجماع الواسع المزعوم، يمكن دفع الأفكار السائدة حول دور الشريعة الإسلامية في النظام القانوني والدستوري المصري في اتجاهات مختلفة للغاية. وبهذه الطريقة، يصبح من الأهمية بمكان فهم الجهة التي سيعهد إليها أمر تفسير وتطبيق أي قواعد قائمة على الشريعة كما هو الحال بالنسبة إلى البحث عن المعنى الدقيق لمختلف الصيغ اللفظية. وفي سياق التساؤل عمن سيفسر قواعد الشريعة ويطبقها، ينبثق سؤالان: كيف سيتم تنظيم المحكمة الدستورية العليا في مصر؟ وكيف يكون هيكل المؤسسات الدينية ودورها في الدولة، بما في ذلك الأزهر؟
وما موقف الإخوان المسلمين من الشريعة الإسلامية؟
تريد جماعة الإخوان نظاما سياسيا يتوافق على نحو تام وصادق مع المعايير الإسلامية، مهما يكن تعريفها فضفاضا. وهذا معناه ضرورة أن تنعكس القيم الإسلامية المهمة في التشريع، وأن على الدولة أن تيسر رغبة المسلمين في أن يعيشوا حياة تتوافق مع القيود الإسلامية، وأن يتم التشاور مع من يتوفرون على المعرفة الدينية والتدريب، ويسمح لهم بالتحدث على أساس تعليمهم وخبرتهم. لذلك دعت الحركة إلى أن يكون للأزهر دور أقوى، وجعل هذه المؤسسة أكثر استقلالية عن السلطة التنفيذية التي هيمنت على المؤسسة من خلال التحكم بمواردها المالية والمناصب العليا فيها على مدى نصف قرن.
كما تشدد جماعة الإخوان المسلمين على ضرورة أن يتم التغيير من القاعدة، وعلى حاجة جميع المسلمين للعمل على فهم دينهم وتحمل مسؤولية تعليم أنفسهم.
موقف الحركة الحالي يعبِّر بشكل أدق عن الدافع المتمثل في التركيز على أسلمة المجتمع من خلال العمل التدرجي بدلا من إحداث تغيير تشريعي مفاجئ.
كيف ستطبّق الشريعة الإسلامية على المصريين غير المسلمين؟
هنا تبدو المقاربة الحالية للنظام القانوني المصري واضحة: كل جماعة دينية معترف بها حرة في أن تكون لها شؤونها الخاصة التي ينظمها قانون الأحوال الشخصية الخاص بها. المحاكم المصرية العادية تفصل في مثل هذه القضايا بشكل منتظم لجميع المصريين من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، ولكنها تستبدل ببساطة القانون المعمول به، فليست هناك محاكم منفصلة لكل جماعة دينية، والقضاة في محاكم الأحوال الشخصية يخرجون من رحم السلطة القضائية العادية.
ما الذي ينبغي على الغرب مراقبته في مصر؟
ليس هناك الكثير في هذه المناقشات مما يهدد الأمن الغربي. لكن ثمة مضاعفات مهمة لها على حقوق الإنسان والقيم الأخرى التي تهتم بها الجهات الفاعلة الغربية. ما يجعل المناقشات عن الشريعة الإسلامية محيّرة - وحتى مثيرة للقلق أحيانا – بالنسبة إلى الغرباء هو عدم الإلمام بالمفاهيم والمصطلحات الأساسية.
بطبيعة الحال، فكرة ضرورة أن يكون للدين دور في الحياة العامة مألوفة حتى عندما لا تحظى بالقبول على نطاق واسع، وجميع أنواع الدول لديها وضع رسمي بالنسبة إلى دين معين.
ويركز المراقبون الذين لديهم فرصة لطرح الأسئلة على المسائل الملموسة والمؤسسية. وهذا يشمل، على سبيل المثال لا الحصر، التفكير أكثر فيما يلي:
•ما العناصر التي ينبغي تعديلها في قانون الأحوال الشخصية المصري الحالي، وما الذي يجب أن تقوله؟
•ما الذي ينبغي أن يكون عليه هيكل المحكمة الدستورية العليا، حيث من المرجح أن تكون لها سلطة تفسير أي اصطلاحات دستورية بشأن الإسلام؟
•كيف يجب أن ينظَم الأزهر؟ وما الذي ينبغي أن تكون عليه طبيعة دوره في الدولة المصرية ومدى نفوذه الاجتماعي؟
•كيف يجب أن يكون هيكل مؤسسات الدولة الدينية الأخرى، مثل دار الإفتاء المصرية (مفتي الجمهورية، مسؤول عن تقديم تفسيرات الشريعة الإسلامية)؟
•ما الأولوية التي يجب أن تعطى لإصلاح القانون الجنائي (بشأن هذه المسألة، من الصعب تجنب أحكام الشريعة الإسلامية وهي مستقطبة للغاية)؟
•ما الذي ينبغي أن يكون عليه وضع الوثائق الدولية المختلفة لحقوق الإنسان التي وقعت عليها مصر؟ ومَن يجب أن يكون مسؤولا عن تفسير التحفظات القائمة على تلك الوثائق؟ من المحتمل جدا أن تكون الجهات السياسية الرئيسة الفاعلة في مصر قد بدأت لتوها التفكير في الجهة التي سوف تحدد هذه القواعد وكيف سيتم تقريرها. بيد أن بعض القضايا فرضت نفسها بالفعل على الأجندة. جماعة الإخوان المسلمين، على سبيل المثال، بدأت صياغة قانون جديد للمحكمة الدستورية، وكانت إدارة الأزهر موضوع مرسوم قانون مثير للجدل صادر عن حكام البلاد العسكريين المؤقتين قبل أن يبدأ البرلمان الحالي أعماله مباشرة.
لذا، في حين يرجح أن المراقبين الخارجيين والناشطين السياسيين المصريين لا يزالون في حيرة من أمرهم حول هذه القضايا، فربما يكون وقت الاستمرار في المناقشات فقط، في مستوى مجرد ونظري، يقترب من نهايته بسرعة.