إشارة إلى ما نشرته "الوطن" في عددها رقم 4347 الصادر يوم الأربعاء بتاريخ 25 /6 /1433 تحت عنوان (عزيزي القطار.. مرة أخرى) بقلم الأستاذ طلال آل الشيخ.
عزيزي رئيس التحرير.. مرة أخرى أجدني في حضرتك، أنشق عبير حروفك المضمخة بعشق الوطن، المنتشية اعتزازاً بتاريخه وتراثه، مرة أخرى أنا من يستدعي أحلامك ويستثير ذكرياتك ويأخذك إلى يوم تراني أداعب رمال الصحراء، أعلو الهضاب، وأهبط الأودية، كما بقية القطارات التي تشاهدها في مختلف أصقاع الأرض.
أنا يا عزيزي هنا، كنت ومازلت أشكل جزءا مهماً من تاريخ أرض تضوع بالمكارم، لم يتطوع أحد ليقرأني كما يجب أو يؤرخني كما ينبغي، كنت صنواً لصناعة النفط التي غيرت معالم هذه البلاد، حملت فوق ظهري أثقالها فلما اشتد ساعدها وعلا شأنها خذلتني وتركتني أواجه همي بمفردي.
مازلت أحتفظ في ذاكرتي بحكايات تعبق بأمجاد رجال تعبت أيديهم، وتشققت أقدامهم، وهم يضعون اللبنات الأولى لقضبان عبرت بين جبال خشنة، ورمال دمثة، وعيون وشلة، وقرى منقطعة، لا يزكو بها خف ولا حافر ولا ظلف، أحمل بين ثنايا عرباتي وتكايا مقاعدي ذكريات لقادة مخلصين ومفكرين مبدعين وأدباء محلقين وطلاب علم، اتخذوني رفيقاً أحملهم في زمن عزت فيه وسائل النقل، كنت أسامرهم في الليل إذا عسعس، وأحادثهم في النهار إذا تنفس، تدفئهم حكاياتي شتاء، وتداعب وجوههم الكالحة نسماتي الباردة صيفاً.
الآن وبعد مضي أكثر من سبعة عقود من العمل المتواصل في ظروف بيئية ومناخية أقل ما يقال عنها إنها شاقة ومضنية ومتغيرة في كل لحظة، مازلت أعتبر وسيلة النقل الأكثر أماناً لنقل ما يزيد على 1.3 مليون راكب و350 ألف حاوية سنوياً (أي أكثر من 80% من الحاويات الواردة لمنطقة الرياض عبر ميناء الدمام) ومليوني طن من البضائع العامة وهي منقولات تحتاج إلى نحو 500 ألف شاحنة لنقلها على الطريق، وأسير خلال خط كثيف الحركة تتزايد الحركة عليه بوتيرة متسارعة بمعدل سنوي يصل إلى 9000 قطار، لتقطع ما يقارب 5 ملايين كلم/ سنويا بمعدل يومي يزيد على 13600 كلم/ يومياً، ولك أن تتصور عدد الحوادث التي يمكن أن تقع لو أن هذا الحجم من النقل تحول إلى الطرق السريعة.
عزيزي رئيس التحرير.. بالرغم من الاحتياطات والتحصينات التي وضعت لفصل مساري عن مسار المركبات الأخرى ليكون لي الحق في طريق مستقل كما بقية أشقائي في دول العالم، وبالرغم من أن نظام حماية خطوطي الصادر من أعلى هيئة تشريعية في البلاد (مجلس الوزراء) يجرم وقوف الأشخاص أو العربات أو السيارات أو الحيوانات داخل حرمي أو المرور على خطوطي وجسوري أو اجتيازها أو ترك الحيوانات تمر عليها، إلا أن هذه التحصينات هذا النظام يخترق على مدى الساعة، فكيف أعاتب أو أحاسب على غياب الوعي لدى من يقومون بقطع السياج والدخول عنوة إلى حرمي بمركباتهم، ومن يعطلون أنظمة الاتصال التي توفر لي القدرة للسير بسرعة وسلامة ثم لا أجد من يجرم هذا الفعل أو ينتصر لقضيتي العادلة، أو يتحدث بموضوعية عن معاناتي؟
من غير الموضوعي أن يساء فهم الأعطال التي تعرض لها أشقائي الجدد وهي مازالت في طور التجربة ولم يعلن عن تشغيلها بشكل رسمي، وتفسر بأسلوب يتهم القائمين على المؤسسة بتقصيرهم في حفظ المال العام أو عدم قدرتهم على استرداد حقهم من الشركة المصنعة في حال ثبت عدم التزامها بالمواصفات والمعايير المتفق عليها.
لماذا تفسر بعض الأعطال التقنية والعيوب في نظام البرمجيات للقطارات الجديدة على أنها عبث في المال العام، بينما يعتبر الإعلان عن عيوب تظهر في سيارات ومعدات تدخل السوق المحلي ويعلن عنها على أنها شفافية وحرص على سلامة المستخدمين لها؟
إنني لا أطلب أكثر من التوازن في النظرة والعدالة في الحكم وإعطاء القادم الجديد فرصة ليثبت للجميع أنه بمستوى المسؤولية والكفاءة واللياقة وأنه قادر على الإسهام في تقديم خدمة تضاهي خدمات القطارات السريعة في دول متقـدمة. وإن غداً لناظره قريب.
عبدالعزيز محمد الحقيل
رئيس عام المؤسسة العامة للخطوط الحديدية