العادة هي ما يعود إليه الإنسان مرارا وتكرارا، وهذا التكرار يجعله يألفها ويعتاد عليها فتصبح طبعا يصعب عليه أن يقلع أو يتخلّى عنها.

وهناك مقولة شهيرة لأحد الفلاسفة إذ يقول: "تكوين العادات الطيبة في الناس أهم من وضع القوانين العادلة، فمع العادة يصبح الالتزام تلقائيا، وإلا فأي جدوى لقانون لا يطبق؟" وكما ينطبق هذا على علم القانون والاجتماع فإنه ينطبق كذلك على الصحة.

يقول علماء النفس إن العادة لكي يكتسبها الإنسان فإنه يحتاج لثلاثة عناصر؛ المعرفة (المعرفة النظرية) والرغبة (الدوافع والحوافز والميل النفسي) بالإضافة إلى المهارة (القدرة والتمكن)، فإذا اجتمعت هذه العناصر الثلاثة في النفس لعمل ما فإنه يصبح عادة. أما إذا غاب أحد هذه العناصر فإن العمل لا يصبح عادة، ولابد أن ننتبه هنا لأهمية وجود الرغبة والقدرة بجانب المعرفة التي لا تكفي وحدها لتكوين العادات السليمة.

وللعادة محاسنها ومساوئها فقد تؤدي لنتائج جيدة وعند ذلك تسمى عادة حسنة، كما قد تؤدي لنتائج سيئة وعند ذلك تسمى عادة سيئة.

وقد تكتسب العادات بالتعليم أو التقليد ثم بالممارسة والتكرار حتى تصبح جزءاً لا يتجزأ من نمط الحياة، وقد تستمد العادات من فكر أو عقيدة أو ثقافة أو تقاليد أو تأثر بالطبيعة المناخية أو الجغرافية، كما قد تكون تقليدا ليس له أي أصل، فالكثير مما يقوم به الإنسان ويحافظ عليه لا يخرج عن كونه مجموعة من العادات التي اعتاد على ممارستها وتكرارها، فقد نتصرّف أحياناً بوحي العادة تصرّفات غير مدروسة، ولو تأمّـلنا فيها وفي مضارها ونتائجها فلربّما أعدنا النظر فيما اعتدنا عليه، فالكثير من العادات نمارسها تلقائيا ودون تفكير منا!.

وللعادات أثر كبير على الكثير من مناحي الحياة كما تؤثر كذلك على الصحة، فالعادات الصحية هي العادات التي تؤثر على الصحة سواء بالإيجاب أو السلب، والسبب في هذا الأثر الكبير للعادات الصحية في حياة الإنسان أنها راسخة في النفس وليست أمراً عارضاً أو نادر الحدوث، الأمر الذي يفرض على الجميع ضرورة ممارسة العادات الصحية السليمة القائمة على معارف ومفاهيم حقيقية، والاهتمام بتعلمها واكتسابها منذ الصغر.

لنتعرف على العادات الصحية لابد أن نتفق على معنى كلمة "الصحة"؛ فطبقا لتعريف منظمة الصحة العالمية فإن الصحة هي: "تمتع الإنسان بحالة جسدية وعقلية واجتماعية وروحية جيدة تماما وليست فقط الخلو من الأمراض".

ولهذا فالصحة كصفة لا تخضع للقانون "تكون أو لا تكون" مثل: (مصري – رجل – يملك فيلا) ولكنها صفة ذات مدى ودرجات مثل: (أبيض – قوي - غني) ومن هنا يأتي تعريفنا بما يسمى بمدى الصحة.

وقد قصدت بهذا بيان ثلاثة أمور أولها أن الصحة تزيد وتنقص، وثانيها أن الوقاية لها دور كبير ليس فقط قبل حدوث المرض ولكن أيضا بعد حدوثه حتى لا يتفاقم، وثالثها أن المرض يسبقه اعتلال في الصحة قد لا يكون ظاهرا حتى للمريض نفسه.

وهنا دور العادات الصحية السليمة فهي وقاية من المرض ومن اعتلال الصحة قبل المرض بل ومن تطور المرض إلى مضاعفات.

والوقاية هي الحماية والصيانة والسترة عن الأذى ويقصد بها الإجراءات التي ينبغي اتباعــها لحمايـة الإنسان من الإصابة بمرض مـا أو التنبؤ بـه والـحد منـه، فهي تعنى بالنهـوض بمستوى صحة الإنسان وحمايته من الإصابة من الأمراض المعديـة أو غير المعدية.

أما ما هي العادات التي يجب على الإنسان اكتسابها ليحافظ على صحته ويتجنب المرض فإن بيانها لا يخفى على أحد، فالحق بين، والبحث عنها يسير في المواقع الصحية، فلو سألت طبيبك أو بحثت عن كلمة العادات الصحية في أي محرك بحث لوجدت ما تبحث عنه في يسر، ولعل لنا حديثا في ذلك يستعرضها، ولكن ما أود ذكره والتأكيد عليه في نهاية مقالي هذا هو أن اكتساب العادات الحسنة والتخلص من العادات السيئة من الصعوبة بمكان، كما قال الشاعر "وتأبى الطباع على الناقل" وكما قال "ليس التكحل في العينين كالكحل"، وذُكر عن بعض السلف أنه قال: "كابدت قيام الليل أربعين سنة، وتلذذت به عشرين سنة" والشاهد أن اكتساب العادة يحتاج مجاهدة للنفس وصبرا على التغيير ووقتاً للتعود عليها.