كان الرقم البديع بأعلاه ثورة تقنية حطمت مقاييس التقسيم الجمعي. بذات الرقمين بعاليه أصبح الناس سواسية كأسنان المشط بعد أن كانت ذات أرقام الاتصال من قبله مثل أسنان الطفل ما بين الخامسة والعاشرة. بهذين الرقمين وتوابعهما صار بإمكاني اليوم أن أكسر حاجز الطبقية وأن نكون جميعا سواء وأسوياء لنقبر معهما كل لوازم النكتة التصنيفية. صار بإمكاني أن أكون في تبوك أو صامطة، في العقير الأحساوي، أو أملج دون أن تكون (أرقامي) دلالة انتماء (مكاني) أهرب منها أو إليها أو أتلون معها بنرجسية شاردة. معهما، صار المجتمع واحدا ومتحدا من رقمين. معهما صار بالإمكان أن نشتري أحلامنا في الطبقية والتميز بما يجود به الجيب وما تسمح به القدرة.
أصبح طالبي الفقير في قاعتي بالجامعة يحمل (بعدهما) آخر ستة أرقام مترادفة متشابهة ولعله لهذا أكتب. أرقامه الستة الأخيرة، هي ذاتها التي أعرفها لهاتف خلوي لواحد من أثرى أثرياء هذا الوطن. هما يختلفان فقط في رقمين داخل الدائرة. يبتدئان بذات الرقمين وينتهيان سويا على ذات الأرقام الستة. الفارق أن صديقي الحميم، صاحب المليارات، اشترى رقمه الطبقي المتميز بما لا يدرك من (رشة) لا يعلم عنها، وأن طالبي الجامعي الفقير قد اشترى (ذات الأرقام) بتوفير ثلاثة أشهر من مكافأة الجامعة. وحتى بالصدفة، التي لم تنتبه إليها شركات الاتصال، أصبح لسائقي المنزلي عشرة أرقام لهاتفه الجوال لا يشبه فيها رقم ذات الرقم الآخر في الدائرة، ومثلما قال لي، فإن البعض يساومه على شراء ذات الرقم بقيمة تساوي راتبه لستة أشهر ولو علم بعض مهووسي – التميز – برقمه المثير لاشتروه بقيمة عام كامل من رواتبه.
تحول هذان الرقمان (وما بعدهما) إلى عناوين ألغت البيوت والشوارع والأحياء والمدن والمناطق – صار الفرد من بيننا عنوانا ذكيا من بضعة أرقام يحملها معه إلى كل مطالع الشمس ومهاجعها. ألغت هذه الأرقام عناوين المنصب والوظيفة وبطاقات الأعمال والبزنس. أصبح الناس مع هذين (الرقمين) مجرد أرقام في ذاكرة الجهاز، بلا (كعب عالي) أو طربوش أحمر فوق الرأس. وحدت هذه الأرقام خرائط الدول وتصنيفات الأقاليم وقدرة الأجناس على الوقوف معا في ذات الطابور بذات الارتفاع ونفس المكانة.