يَنبري كثيرٌ من علماء المسلمين لمخاطبة الحجاج وتوعيتهم بمناسك الحج ويكتفون بذلك، لم يتطرقوا لتوعية الحاج واحترام مسلكه (التنظيمي) تحديداً، القضية تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين لشعوب لم تعتد على ذلك. ما يحتاجه هنا المسلمون وخاصة العرب التوعية بالنظام (الدقيق) وليس العشوائي التلقيني المعلب خُطباً، والممتد وضوحاً لسلوك المجتمعات وحياة شعوبها، ورغم أن تعاليم ديننا الحنيف واضحة، لكن حتى حدود الشعيرة فيه لم تخضعهم للنظام رغم أن: "لمن استطاع إليه سبيلاً" ليست في (المال) فقط بل في الجهد وتحمل مشقة النفس الأمارة بالسوء وتبعاتها، فالأمثلة تتكرر من حجاج المسلمين وخاصة من العرب كل عام، والمشاهدات المؤسفة والممارسات الخاطئة من الافتراش والأنانية والمخالفات أصبحت مكرورة حد العبث!.

الحجاج الماليزيون يمنحون العالم الإسلامي والعربي دروساً مجانية في ريادتهم للإبداع في الحج تنظيماً وتآلفاً واحتراماً للنظام وقبلها للشعيرة نفسها، انفردوا بالطليعة عبر العالم بحسن السلوك ومرونة الطباع، فيأخذوننا في الدرس الأول بالإعداد والممارسة تطبيقاً كافياً للتحضير والتدريب قبل موعد سفرهم؛ فيلتزم الحاج الماليزي إجبارياً الخضوع لدروس أسبوعية في مسجد الحي على مدار 3 أشهر من قبل أساتذة جامعيين ومتخصصين، تصل حتى الطواف حول مجسم لكعبة مصغرة ومجسمات ومخططات للمناسك الأخرى، ولا يُترك الحاج إلا بعد نجاحه في تأهيله، وإذا لم يتجاوز يُحرم من الحج وعليه إعادة تأهيله للسنة التالية!.??????????????????????????????????

توجد في كل المدن الماليزية التي تمتلك مطاراً كبيراً مدينةً للحجاج، يحط فيها الحاج الماليزي يومين قبل التوجه للسعودية، ويأخذون فيها آخر التعليمات ويتعرفون على أفواجهم، ويكون آخر المودعين للحجاج ملك ماليزيا ووزير الأوقاف الماليزي موصين بالحفاظ على صورة بلدهم المضيئة فهم سفراء لها.?

الدرس الثاني اقتصادياً، وفضله لأستاذ الاقتصاد بجامعة ماليزيا د.أنكو عبدالعزيز الذي تقدم عام 1959 بمشروع خطة لتحسين الوضع الاقتصادي للراغبين في الحج بأسلوب خال من الفوائد الربوية ويحقق في نفس الوقت ربحاً للمدخرين، نوقشت الخطة من قبل المتخصصين وتمت القناعة عام 1962 لتنفيذها مما وفر للدولة أموالاً طائلة استثمرت في التنمية الاقتصادية.

يقول وزير الشؤون الإسلامية الماليزي:"إن الحجاج الماليزيين قد سبق توعيتهم وتدريبهم في ماليزيا حيث يوجد في مدينة كوالالمبور مؤسسة تعنى بكل من أراد الذهاب لفريضة الحج؛ حيث يسجل الراغب في الحج اسمه وعنوانه ويدفع ما يستطيع من المبالغ المالية، ثم يذهب إلى منزله وتقوم مؤسسة "تابونغ حجي" بتوظيف المبالغ واستثمارها حتى يصل المبلغ إلى المستوى الذي يمكنه من فريضة الحج، ودفع مصاريف جميع ما يلزم لأدائها، ثم يُبعث لهذا الشخص لإخباره بأن موعد حجه سوف يكون في هذا العام مثلاً، فيحضر الشخص والمجموعة التي معه من رجال ونساء وتصرف لهم ملابس إحرام، وتبدأ عملية التوعية والتدريب وتشمل المحاضرات التوعوية في شؤون الحج، ثم يتم تدريبهم على كيفية التجمع لركوب الطائرة، وما هي الأشياء التي يأخذونها معهم وكيفية الوصول إلى الأماكن المقدسة والطواف والسعي والعودة من المسجد الحرام، حيث تكون كل مجموعة تميزهم أساورهم بلون مختلف بها كل معلوماتهم من اسم ورقم هاتف ورقم المجموعة وعنوان إقامتها وحقائب صغيرة موصومة بعلم بلادهم، حتى يودعهم ملك ماليزيا ووزير الشؤون الإسلامية والمسؤولون، وذلك في احتفال يقام بمقر منظمة الحج الماليزية "تابونغ حاجي".

أما الدرس الثالث فينقلنا إلى الوفاء والعلاقات النقية، ويمثله إعراب الحكومة الماليزية (علناً) بقيادة ملكها ورئيس وزرائها الأنيق نجيب رزاق وشعبها الكريم عند توديع حجاجهم وأمام السفير السعودي وعبر إعلامهم عن شكر (خالص) نقي لما تقدمه حكومة خادم الحرمين الشريفين ووزارة الحج السعودية لضيوف الرحمن من خدمات وتسهيلات، وتتحفظ في ذلك مع الأسف (بعض) الدول رغم أن المملكة ليست في حاجتهم لأن خدمة الحرمين لديها أهم وأولى.

كثيرٌ من الدول الإسلامية وخاصة العربية تحتاج إلى نمذجة تجربة "تابونغ حاجي" الماليزية كاملةً لتوعية حجاجها وتيسير أداء الفريضة وكمالها، فحينما ننظم أنفسنا عند أداء أعظم ركن بالإسلام، فإننا نسطر أروع الأمثلة، لأن الإسلام هو بحق دين التدبير والتنظيم قولاً وفعلاً، شكراً "تابونغ حاجي" لهذه الدروس القيمة في فريضة عظيمة.