عبدالكريم وديدي

سوداني مقيم


منذ السبعينات، وبعد الطفرة الاقتصادية التي صاحبت ظهور البترول في كثير من الدول الخليجية، إضافة إلى التقلبات السياسية والاقتصادية في كثير من الدول الأفريقية والآسيوية التي أسفرت عنها بطالة وارتفاع في تكاليف المعيشة وعدم توفر فرص عمل مناسبة، بدأت ظاهرة الاغتراب والهجرة بحثاً عن فرص عمل أفضل ذات عائد مادي مجز.

وتوالت الأيام فأصبح الاغتراب جزءا مهما في فلسفة كثير من مجتمعات الدول المصدرة للعمالة، وقد كان هدف الكثيرين إما امتلاك سيارة أو إتمام زواج، أو بناء منزل، فالأحلام كثيرة ومتنوعة، فمنهم من خطط لرحلة العودة خلال سنة أو سنتين، ولكن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في كثير من الدول "صاحبة العمالة" حال دون العودة المبكرة، فمنهم من قضى خمس سنوات ومنهم من قضى عشرا، وأيضاً هناك من تعدى العشرين ولا يزال.

لذلك أصبحت الغربة غاية لعدد كبير من البشر من مختلف بقاع المعمورة فتحقق فيهم قول الشاعر: (غريب والغربة أقسى نضال.. غريب والغربة سترة حال).

وأصبح المغترب يتأرجح بين الحنين للماضي حينما كان وسط أهله وأصحابه وعشيرته، وواقعه الحالي بهمومه وضغوطه النفسية، وما زال بين المطرقة والسندان، المطرقة حزمة من الإجراءات السياسية والاقتصادية والأحوال الإقليمية والدولية المتغيرة باستمرار دفعت به خارج وطنه، أما السندان فحزمة من إجراءات إحلال للعمالة الوطنية للدول المستضيفة محل العمالة الوافدة، وهذا حقهم في توظيف عمالتهم، ولكن ذلك يترك آثارا سالبة في نفسية معظم العمالة الوافدة، من عدم استقرار، وخوف من شبح اقتصادات بلادهم الهشة.

وبعد حقبة من الزمن أصبح المغترب يمثل أحد الركائز الداعمة لاقتصاد بلاده، فهو دافع الضرائب المباشرة، إلا أن هناك سؤالا يفرض نفسه: ماذا وجد المغترب من بلاده غير التوصيات والقرارات التي تصدر من مؤتمرات تعقد بقاعات فخمة لإنشاء مشاريع خاصة بهم أغلبها لم ير النور حتى الآن، لذلك نرى أنه لا بد من التفكير في إنشاء مشاريع سواء كانت زراعية أو صناعية متوازنة لثلاث فئات.. الفئة (أ) هم أصحاب التخصصات العليا من أطباء ومهندسين وغيرهم من ذوي الدخول المرتفعة فهم المستفيدون أصلا من المشاريع القائمة حالياً. أما الفئة (ب) فهم أصحاب الدخول المتوسطة. وأخيراً الفئة (ج) هم فئة العمال وأصحاب الوظائف غير المستقرة وهم الغالبية.