العلاقة التي تربط طرفي العملية الاتصالية، كانت وما زالت محل نقاش وتحليل بين المتخصصين والمعنيين على الرغم من النظريات المختلفة التي حاولت ـ عبر العصور ـ تثبيت وتعريف تلك العمليات وتأطيرها وهي العمليات التي غالبا ما تتصف بالتقلب والتجدد نتيجة ارتباطها بالنفسية الإنسانية من جهة وبالتقنيات ووسائل التواصلية المتجددة من جهة أخرى.
استضاف، قبل أشهر، برنامج في الصميم الذي يقدمه الإعلامي النشط "عبدالله المديفر" على قناة روتانا خليجية الدكتور تركي الحمد، الذي تحدث فيه عن العديد من المواضيع التي تتعلق بالمجتمع وفكره بصفته أديبا ومنظرا وفيلسوفا اجتماعيا وسياسيا معاصرا، وقد أثارت عبارة أتت في معرض تعليقه على ما يمكن وصفه بعملية التأثير الواقعة بين طرفي التواصل الاجتماعي في مخيلتي العديد من الاستفهامات التي كانت وما زالت تصطدم مع نظريات سبق أن درسناها ولكنها تبدو اليوم عاجزة عن الصمود أمام ديناميكية العلاقة بين المتواصلين، حيث سأل الحمد: (هل المثقف يريد أن يكسب رأي الجماهير أم يريد توعية رأي الجماهير).
هذا السؤال الذي يشخص بشكل واضح طبيعة الدور الذي يقوم به المثقف بوصفه عنصرا مؤثرا في المجتمع، جعلني أتساءل أيضا و في ذات التوجه هل الإعلامي اليوم يتمحور دوره في نقل الخبر بحياد وموضوعية؟ أم أصبح ـ اليوم ـ عنصرا أساسيا في خلق الحدث، كما نشاهد في العديد من الأحداث التي تصاحب بعض الحركات الاحتجاجية التي تصمم أساسا بهدف أن تنقل للعالم عبر الإعلام، وهي حركات لم تكن لتقوم لو لم يكن هناك تجاوب من الوسائل الإعلامية الناقلة.
في السياق ذاته، هل دور المسؤول هو العمل من أجل خدمة المواطن والمجتمع وفق تفسيره هو ورؤيته هو لما هو صالح أو طالح؟ أم دوره أن يكون عنصرا يعمل من أجل إرضاء الشارع لكسب التأييد وإن كانت قراراته خاطئة وردات فعله ارتجالية بحيث يمكن وصفه كما يقول المثل الشعبي السعودي (مع الخيل يا شقرا)؟
النظريات المختلفة، الإعلامية منها والسياسية تقوم على وضع إطار عملي واضح بين طرفي العملية، ففي الحالة الإعلامية، من الواضح أن المتأثر والمؤثر اليوم في ظل الإعلام الإلكتروني والاجتماعي أصبح مختلطا؛ بحيث لم يعد للإعلامي القدرة العليا في فرض الأجندة وإن كان هناك من يخالف هذا الرأي من منطلق أن خلق الرأي العام أكبر من مجرد نقل الأخبار، كما أن المسؤول اليوم عليه أن يكسب رأي الجمهور وإن اختلفت طبيعة عمله، فهو لم يعد يشرع و يقرر بمعزل عن متطلبات الشارع والذي مررت في العديد من الدول ولعقود أكذوبة أنه لا يعرف مصلحته، بل دور المسؤول ـ اليوم ـ هو تمثيل الجمهور والعمل لصالحه بهدف تحقيق طموحاته.