كما أن وهج القمر في هالته المكتسبة من الشمس فإن أهمية مسلسلة "عمر" كانت في بعثها الحوار الفني الفكري الفقهي حول تجسيد الصحابة، الذي أثاره فيلم "الرسالة" الهوليودي للمخرج "العربيكي السوريكي"/ "مصطفى العقاد"، منتصف السبعينات من القرن الماضي، وكان أبرز نجوم ذلك الحوار المفكر بعيد النظر/ "محمد متولي الشعراوي" الذي أفتى بجوازه بعد أن شاهده بنفسه لا بناءً على ما نقل له من شائعات بأنه يجسد محمداً ـ فداه كل من خان رسالته وشوه تعاليمها ــ ولم يكتفِ بالجواز بل دعا أهل الصنعة إلى إنتاج عشرات الأفلام مثله، لكنهم أخذوا بفتاوى الحيطة والحذر ودرء المفاسد، فماذا كانت النتيجة؟ ماذا قدمنا من بديلٍ لدراما لا تمثل رموز تاريخها الخيرة العظيمة؟
كان الإجراء المنطقي الأحوط أن نمنع التلفزيون والسينما والمسرح ـ كما دعا البعض ـ ونغلق سماءنا الطاهرة بإحكام لكيلا يقتحمها أي "فيليكس" منحدر من هنااااااك بعييييد! ولكن لاستحالة المنطق عندنا ارتكبنا الأسوأ ثقافياً وفنياً، فملأنا ذائقة الأجيال بكل ما عرفته الدنيا من تسطيح وتفاهة من مسلسلات "اتنين بيحبوا بعض بس مش لاقيين شقة"! وأفلام مقاولات من الباطن، صورتنا ما بين فقراء أصبحوا جميعاً طبالين ورقاصات ولصوصاً ومروجي مخدرات، وأثرياء كلهم "تيوس ومعاها فلوس"!
ولا تسأل عن الاحترافية وقد شوهت الكوميديا إلى إسفاف كرس فينا نماذج (فؤاد الأحول) و(عليان أبوضروس) و(مناحي أبو جبهة ددسن)! وشوهت التراجيديا إلى صراخٍ وعويل ونياحة من "الكويت" وضواحيها إلى "الخوبة" وما جاورها!
وحسبك شاهد من أهلها ــ هو المخرج/ "عامر الحمود" ــ يعترف في أمسية أحياها النادي الأدبي بالرياض في 13/9/ 2012م بسقوط الفن، وهو الذي غضب علينا غضبةً مضرية حينما فضحنا "فن السقوط" منذ أول نشرة نقدية كتبناها لـ"الوطن"!
أما مسلسلة "عمر" فلابد أن تدرس في "هوليود" و"بوليود" نموذجاً للبؤس الاحترافي العربي في سيناريو "إذاعي" لا يفرق بين "شاشة HD" ومخطوطة اتخذها الزمن سفرةً مذ كان أعزب! وإخراج يرضيك عن "عامر الحمود" ماغيره أيام "صياحة صياحة"! وأداء تمثيلي بارع في تحريك "البراطم"! وإنتاج أصلع يعاني غزارةً في الفلوس وسوءاً في التوزيع!!