عبد المحسن الحكير
رئيس مجموعة الحكير
لمدن المملكة في نفسي مكانة خاصة، غير أن للقصيم منزلة متميزة من بين هذه المدن، إذ أشعر بشيء ما يجذبني إليها ويجعلني أتوق إلى زيارتها مرات عدة ولم أغادر بعد حدودها الإدارية.
ومؤخرا، كنت في زيارة لمنطقة القصيم لألمس عن كثب الدور المشكور الذي يقوم به أميرها المحبوب فيصل بن بندر وسمو نائبه فيصل بن مشعل، وقد أدهشني ما شاهدت في مدينة بريدة من نمو مطرد في جميع مناحي الحياة، حيث تجد خطط التنمية تسير بأكثر من معدلها لتسابق الزمن وتقدم منظومة إنتاجية وصناعية لسكان القصيم الذين يشتهرون بخصال فريدة منها حب الضيف وإكرامه ونظم الشعر، ومن ثم فهم مرهفو الشعور ذوو أحاسيس عالية وفوق ذلك يتمتعون بخفة دم وتمسك محمود بثوابتنا الأصيلة.
التقيت خلال الزيارة بسمو أمير منطقة القصيم الذي أعتبره مدرسة متكاملة في الإدارة الحديثة الشاملة والقدرة على تطويع الإمكانيات القائمة لخدمة منطقة القصيم وسكانها وما جاورها من مناطق، وجدت فيه شخصية عملية واعية مدركة للمشاكل وأسبابها والحلول المناسبة لها، ومن ثم أدركت وأيقنت أن القصيم متجهة بقوة نحو تقدم إنتاجي وصناعي وزراعي سيؤّمن لأبنائها فرص عمل كثيرة وسيتيح لهم تصدير منتجاتها المختلفة إلى بقية مدن المملكة.
أما نائبه الأمير فيصل بن مشعل، فهو شخصية متفردة في العطاء والبذل من خلال ما يقوم به من جهد متنوع ومتعدد ليضفي على وجه القصيم مسحة من العمل المتواصل والجهد اللامحدود.
لقد رافقنا في زيارتنا مدير فرع الهيئة العامة للسياحة والآثار بمنطقة القصيم الدكتور جاسر الحربش الذي يبذل الجهد تلو الجهد لجعل القصيم منطقة جذب سياحي وقد أثمرت جهوده نتائج مبشرة ينتظر أن تصل إلى ذروتها خلال الفترة المقبلة.
وسنحت لي الفرصة في مدينة بريدة مع عدد من المعنيين بالسياحة في المملكة لزيارة متحف الدبيخي لمؤسسه علي بن سليمان الدبيخي الذي استطاع في تجربة غير مسبوقة جمع أكثر من 7000 نسخة من صحف ومجلات يعود عمر بعضها إلى ما قبل 155 عاما، ليضعها داخل متحف إعلامي خاص به يستعرض من خلاله أقدم الصحف العربية والسعودية.
والمتحف يفتح أبوابه أمام الزوار والمهتمين والباحثين طوال أيام الأسبوع، وفيه ضمن مجموعة الصحف القديمة أول نسخة من صحيفة "أم القرى" السعودية، التي يتجاوز عمرها حاليا الـ 90 عاما، كما يحتوي على صحيفة صدرت عن الدولة العثمانية باسم "حجاز" قبل نحو 100 عام تقريبا.
ومن داخل المتحف استوقفتني أول خطبة للملك المؤسس عبدالعزيز – طيّب الله ثراه- وكانت في المدينة المنورة عام 1343هـ (1924م) وفيها يستعرض الملك المؤسس معايير الدولة وقيمها وأسسها، كما يضع "خارطة طريق" لكيفية تحقيق الرفاهية للمواطنين وتحسين مستوى معيشتهم، إضافة إلى المعايير العامة تجاه بذل النفس والنفيس لخدمة المملكة وشعبها وترقية "جزيرة العرب والأخذ بالأسباب التي تجعلها في مصاف البلاد الناهضة مع الاعتصام بحبل الدين الإسلامي الحنيف".
قرأت هذه الخطبة أكثر من مرة ووجدت أن هذه الأسس والمبادئ التي وضعها الملك عبدالعزيز في خطبته هي التي يسير على هداها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي يسعى – حفظه الله- بكل قوة نحو جعل المملكة دولة قوية بأبنائها في جميع المجالات وتنشر السماحة والوسطية وتقتحم ميادين الصناعة والزراعة والسياحة لتوفر فرص العمل والعيش الكريم لأبنائها.
إن مما جاء في خطبة الملك عبدالعزيز من كلمات عظيمة قوله "إنني أعتبر كبيركم بمنزلة الوالد، وأوسطكم أخا، وصغيركم ابنا...إنني خادم في هذه البلاد العربية لنصرة هذا الدين، وخادم للرعية... إن من حقكم علينا النصح لكم في السر والعلانية ومن حقنا عليكم النصح لنا..."
هذه الكلمات هي النبراس الذي يطبقه خادم الحرمين الشريفين في علاقاته مع المواطنين ومع أبنائه وإخوانه، ومن ثم باتت المملكة بلد الأمن والأمان والسلامة والإسلام، بفضل التوجيهات السديدة والحكم البالغة التي تلقاها الأبناء الملوك من الأب المؤسس.
إن أجمل ما في زيارتي لمنطقة القصيم هو الاطلاع على تلك الخطبة العظيمة التي تحتاج إلى كوكبة من العلماء في شتى المجالات ليعكفوا على قراءتها وتحليلها ليتعرفوا على ملامح وثقافة ومجد المملكة –حفظها الله-.