منذ أن كُتب الدستور الإيراني في عام 1979، الذي نصّ على تصدير الثورة الإيرانية، والدولة الإيرانية تدفع جزءا كبيرا من ثروات البلد لأجل تصدير الرؤية الدينية التي تدعم فكرة الخميني فيما يسمى بولاية الفقيه. فقد نص الدستور الإيراني في مادته 154 على أن الجمهورية الإيرانية تدعم "إقامة حكم العدالة والحق ـ وتعتبر ذلك ـ حقا لجميع الناس في العالم. وعليه، فإن جمهورية إيران تدعم الحق العادل للمناضلين المقاتلين ضد المستكبرين في أي ركنٍ من العالم".
ولا أدري هل يدخل ضمن هؤلاء المستضعفين أولئك المحكومون بالإعدام والتعذيب اليومي في داخل إيران من الإصلاحيين وفي الأهواز ومناطق الأكراد أو لا؟.
منذ فترة طويلة، وشخص لا أعرفه يراسلني دائما، ولا أرد عليه بكلمتين إلا وقد رد علي في رسائل طويلة بالأجوبة على أي شيء أكتبه له، سواء له علاقة أو لا. ومن الواضح أن الشخص متفرغ لأجل نشر الفكر الإيراني، وأنه مدفوع له من قبل الأجهزة الإيرانية المتعددة، أو على الأقل الحوزات المسيّسة الثرية! وهذا التوظيف للدين لأجل المصالح السياسية وتوسيع النفوذ منهج دستوري من قبل الدولة الإيرانية، الأمر الذي كلفها وما زال يكلفها الكثير من الأموال والخسائر التي كان بإمكانهم تجنبها لولا سيطرة تلك العقلية التي لا تتحمل حتى النقد الهادف من أتباعها!
وبالرغم من تلك الخسائر، إلا أن نفوذ إيران خاصة إلى ما قبل الثورة السورية، قد انتشر في أماكن كثيرة من العالم تحت مسمى الإغاثة والتعليم وما إلى ذلك، وهو في الحقيقة ليس إلا نشراً للفكر الديني حسب الطريقة السياسية التي تتبناها دولة إيران! حيث يمكن لأي قارئ ملاحظة مدى تغلغل فكرة التوسع ومد النفوذ في التفسير الديني للتشيع حسبما تتبناه الدولة الإيرانية، وذلك واضح حتى في الدستور الذي هو نواة الدولة. هذا الفكر الذي لا يدخل بلدا إلا وتتولى أجهزة الاستخبارات الراية بعد ذلك لأجل تأسيس خلايا مُعسكرة في ذلك البلد.
ولكن بعيدا عن هذا السياق، طالما تساءل كثيرون عن دور الجهات الدعوية لدينا ممثلة في وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في نشر الوعي والتصدي للدور الإيراني خاصة في البلدان الفقيرة؟ للأسف إننا لا نرى دورا يُذكر في ذلك، بل حتى في صيانة المساجد ونظافتها، فإن الكثير يشتكي من أنه لا يكاد مسجد إلا ويعاني من تراخي دور الوزارة في الإشراف والمتابعة لشركات الصيانة. فبالرغم من أن كل مسجد يصرف له ميزانية شهرية لأجل نظافته وصيانته إلا أن بعضها يبقى شهورا بلا نظافة ولا صيانة.
ولذلك، فإن البعض يتساءل عن وجود صياغة وبناء لدور قيادي يقف ضد الدور الإيراني في نشر فكرهم الديني السياسي. للأسف أنه لا يُلمس دور لهذه الوزارة حتى في تعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف التوجهات في داخل البلد، سواء على مستوى الطوائف أو حتى على مستوى التوجهات الفكرية التي تملأ البلد! بل، ويمكن القول بأنها لم تنجح في بناء جسور ثقة وتواصل مع التيارات الفكرية في البلد، سواء الدعوي منها أو غير ذلك.
نعم، لهم دور مشكور في التوعية والحوار مع الإرهابيين، ولكن الكثير يؤمن بأن الدور الأكبر في هذا السياق هو للمسؤولين عن الأمن الفكري في وزارة الداخلية وليس وزارة الشؤون الإسلامية. ليس الغرض هو التقليل من جهود العاملين بالوزارة، ولكن لا يعتقد الكثير أن دور الوزارة هو مجرد توزيع كتب أو كلمة لخمس دقائق تتكرر في المساجد!. وفي ظل توجه خادم الحرمين الرامي إلى نشر ثقافة الحوار وبناء جسور الثقة بين أبناء البلد، فإن الكثير يتساءل عن دور الوزارة في ذلك، سواء على مستوى التيارات الدعوية أو حتى التيارات الأخرى؟.
وإذا انتقلنا إلى الاستقطابات السياسية ومواجهة الدور الإيراني، المنتهج لسياسة استخدام الدين وتطويعه لأجل المصالح السياسية، فإن الكثير يتساءل أيضا أين دور الوزارة في هذا السياق؟
نعم، يجب ألا ننساق إلى التنافس الطائفي، وأن نستمر في السياسة الحكيمة المتجنّبة للدخول في صراعات ثورية وطائفية التي ليست من سياستنا، ويجب أن تبقى هذه خطّاً أحمر، ولكن لا يعني هذا أن يستمر غيرنا في دق المسامير في نعوشنا ونحن نتفرج، وبالإمكان الاستمرار في سياسة الدولة الحكيمة في نشر الإسلام الوسطي وثقافة الحوار الهادئ، والاستفادة من ذلك في بناء جدار منيع من الثقة أمام طموحات كل من يحاول العبث في مقدرات البلد والأمة.
يعلم الجميع قدر الميزانيات الضخمة التي خصصها ولاة الأمر لغرض الدعوة ونشر الوسطية، ولأجل فكرة الحوار والتعايش، إلا أن الكثير يتساءل عن مساهمة الوزارة الفعالة في ذلك؟.