كنت قبل يومين أهنئ الصديق الشاعر محمد خضر بفوز روايته "السماء ليست في كل مكان" بالمركز الثالث في جائزة نادي حائل الأدبي للرواية، صرنا نهنئ الشعراء بفوز رواياتهم وليس دواوينهم أو قصائدهم، وفي هذا سياق نقدي لا يمكن تجاوزه أو التعامي عنه، فهؤلاء الشعراء المبدعون يمتطون في جرأة وحماسة واقتدار صهوة السرد ويصولون ويجولون بل وينازعون فرسانه قصب السبق والكأس المعلّى.

قال لي محمد: وجدت متعة قل أن أجدها في مخاض القصيدة اللحظي، لقد ولجت عوالم متنوعة ذات ألوان وقاربت آفاقا ذات أطياف، وسكنت شخوص الرواية مكانا وزمانا عشت معهم، أكلت وشربت، ضحكت حتى استلقيت وبكيت وانكفأت، إنها حياة أخرى وتجربة أرجو تكرارها.

الرؤية النقدية تعترف بأن لكل فن أدواته وأصوله وإن عدها بعضهم رؤية مدرسية لكننا في الواقع نتماهى مع النص الذي يتباهى بخصائصه وسيميائه، هذا على مستوى النقد، من حيث الانطباع فإن الفنون تتساقى وتمتزج مياهها على يد المبدع ذي الحضور المختلف شاعرا كان أم ساردا، وتجربة الكتابة السردية من قبل شاعر وبروزه فيها مثال صادق على هذا التساقي، غير أنه مع الأسف في اتجاه واحد، وأعني هل يمكن لسارد أن يجدف بسلام في بحور القصيدة أو يعزف على إيقاع الوزن وأوتار القافية ؟ لم أجد حتى اللحظة هذا السارد إلا إذا وسعنا أفق القصيدة فنيا حتى تلامس فضاء النثر هناك في تلك الأجواء التي يمكن أن يتيه السارد فيها بدلالاته المحترفة وإسقاطاته النافذة، فيشكل معماره الشعري والشعوري، ثم يبقى السؤال الآخر: هل قارب القصيدة أم أنها ما تزال تتمنع محتفية بحبيبها الأول الذي ترتمي في أحضانه دونما قيد أو شرط.

أقول إن الكتابة السردية أثبتت بما لا يدع فرصة لمتقوّل أنها حالة إبداعية عامة تتلبس ذوي الرؤى المختلفة المتسامية عن المباشر أيا كان مجال إبداعهم ونبوغهم الأصلي، والأمثلة بيننا جلية ناصعة فالتشكيليون كتبوا الرواية، والممثلون كذلك حتى الصحافيون المهرة في صياغة القصص الخبرية كانت لهم تجارب سردية ليس لنا أن نغض الطرف عنها مهما اختلفنا في تقييم الأعمال على الصعيد الفني أو حتى المضمامين والحمولات التي درجوا على توظيفها.

لم يغادر الشعراء شعرهم؛ فيدٌ تمسك بزمام الشعرية، وأخرى تنبش صوف الحكايات وتعيد تشكيله وإضفاء ما يعتلج في أرواحهم من زفرات البوح لتخرج لنا الرواية بأدب جديد غير الذي عرفته أزمنة عديدة.