قلما توجد دولة في العالم اليوم تنافس المملكة في أنظمتها المميزة، التي منحتنا مطلق الحرية وكامل الصلاحية لترسية مشاريعنا الحكومية على شركاتنا ومنتجاتنا الوطنية. حتى اتفاقاتنا الدولية، ومنها منظمة التجارة العالمية، منحتنا في الفقرة 231 من وثائق انضمامنا، حق استثناء مناقصاتنا الحكومية من منافسة المنتجات الأجنبية، وأعطتنا الفرصة المثلى لشراء كافة احتياجاتنا من المنتجات الوطنية.

أنظمتنا الوطنية أيضاً وقفت إلى جانب صناعتنا المحلية، وأصدرت قواعد الإعفاءات ووسائل الدعم وأحكام الحماية والتشجيع، التي أكدت عليها المواد القانونية الرابعة إلى الثامنة من نظام حماية وتشجيع الصناعات الوطنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م50) وتاريخ 23/12/1381. كما جاءت المادة الخامسة والمادة التاسعة والستون من نظام المشتريات الحكومية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م58) وتاريخ 4/9/1427، لتمنح مؤسساتنا وشركاتنا الحكومية كافة الصلاحيات لإعطاء منتجاتنا الوطنية الأولوية في المشتريات الحكومية والأفضلية في استثناء المنتجات الأجنبية المماثلة من المعاملة الوطنية. وأخيراً أكدت المواد القانونية السادسة عشرة إلى العشرين، التي فرضها التنظيم الصناعي الموحد الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/20) وتاريخ 4/4/1427، على ضرورة تشجيع الصناعة الوطنية ودعمها وحمايتها من منافسة المنتجات الأجنبية المماثلة.

في العقد الحالي، يصل إجمالي قيمة المشاريع المخطط لها في دول الخليج إلى 659 مليار دولار، حيث تتصدر المملكة قطاع التشييد والبتروكيماويات، تليها قطر والإمارات ثم الكويت والبحرين وعمان. كما خصصت المملكة 250 مليار ريال لمشاريع الإسكان التنموي، وذلك تمشيا مع خطتها للبناء، مما سيؤدي إلى ازدهار قطاع البناء والتشييد، والذي سيبقى القوة الدافعة لنشاط المرافق في المنطقة من خلال التركيز على تلبية متطلبات واحتياجات صيانة وإدارة مرافق البنى التحتية بشكل خاص. كما بلغت قيمة المشاريع الإنشائية في دولة الإمارات أكثر من 30 مليار دولار أميركي خلال العام المنصرم وحده، ما زاد من الطلب على المنتجات والخدمات الوطنية المتخصصة.

التقارير الدولية توقعت في العام الحالي أن تقود المشتريات الحكومية السعودية طفرة مرتقبة في حجم الاستثمار في مشاريع البنى التحتية والإنفاق في قطاع الإنشاءات، لتصبح المملكة أكبر المستفيدين من تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي سوف تشهدها اقتصاديات الدول الخليجية. كما توقعت هذه التقارير أن تشكل أسواق المنطقة ما نسبته 12% من إجمالي استثمارات قائمة الدول الصاعدة و4.4% من إجمالي الاستثمارات العالمي في مشاريع الإنشاءات خلال العقد المقبل، مع مواصلة تصدر المملكة لهذه القائمة. وأشارت كافة التقارير إلى أنّ المملكة مرشحة لكي تكون الرائدة في إنفاقها على قطاع البنى التحتية والإنشاءات في المنطقة نظراً لسعيها الحثيث لتلبية الاحتياجات الاجتماعية، كالعمل والسكن والتعليم والصحة والطرق وغيرها. ولقد سجّل هذا القطاع نمواً بنسبة 177% مقارنة بالعام الماضي، مما يمثل حصة 46% من المشاريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العامين الماضيين. ولكن جميع هذه التقارير أكدت على أن هذه القطاعات لن تواصل نموها المرتقب إلا في ظل استمرار المملكة بالإنفاق على المشاريع الحكومية ودعمها للمنتجات الوطنية.

في الأسابيع الماضية أعلنت الشركة السعودية للكهرباء أنه يتم تنفيذ مشاريع عدة تبلغ كلفتها حوالي 27 مليار دولار لتلبية الطلب المتزايد والمستمر على الكهرباء. وأشارت الشركة إلى خطة متكاملة للأعوام العشرة المقبلة بتكلفة 121 مليار دولار، وذلك لزيادة قدرات توليد الطاقة المتاحة إلى51 ألف ميجاوات وزيادة شبكات نقل الطاقة إلى 49 ألف كيلومتر طولي وشبكات التوزيع إلى 409 آلاف كيلومتر دائري.

كما أعلنت المؤسسة العامة للخطوط الحديدية في الأسبوع الماضي عن انتهاء دراستها الموسعة، التي خلصت إلى حاجة المملكة إلى مشاريع سكك حديدية بحوالي 47 مليار دولار، وذلك لإنشاء شبكة من القطارات بطول 10 آلاف كيلومتر خلال العقدين المقبلين، لترقية شبكة النقل الداخلي لكي تتواءم مع النمو الاقتصادي الذي تشهده المملكة.

أما الصناديق الاستثمارية السعودية، مثل صندوق التنمية العقارية وصندوق التنمية الصناعية والبنك السعودي للتسليف والادخار وصندوق التنمية الزراعية وصندوق الاستثمارات العامة، فلقد بلغ حجم ما صرفته من القروض منذ إنشائها وحتى نهاية العام المالي الحالي 440 مليار ريال، ويتوقع أن يصرف للمستفيدين من هذه القروض خلال العام المالي المقبل 86 مليار ريال.

هذه المشاريع العملاقة والأرقام الضخمة لن تحقق أهدافنا التنموية وفوائدنا المرجوة إلا إذا استفادت منها صناعتنا المحلية ومنتجاتنا الوطنية من خلال تطبيق الأنظمة الرائعة والتي منها نظام المشتريات الحكومية. فالعقود المتوقع إبرامها في المملكة خلال العام المقبل 2013 قد تتجاوز قيمتها 80 مليار دولار، بزيادة قدرها 36% عن إجمالي قيمة المشاريع في 2012، مما يجعل المملكة تتبوأ المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط من حيث الفرص المتاحة للصناعة المحلية والمنتجات الوطنية.

في المملكة علينا اليوم أن نواجه ثلاثة تحديات رئيسة تعنى بتوطين الوظائف واستيعاب خريجي الجامعات والمعاهد الفنية، وفي رفع نسبة النمو الاقتصادي الحقيقي لتصبح ضعف نسبة النمو السكاني، بالإضافة لتنويع القاعدة الإنتاجية وتوسيع فرص الاستثمار في صناعة المنتجات الوطنية لتخفيف الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل. جميع هذه التحديات تحتاج لتضافر جهود الأجهزة الحكومية كافة مع القطاع الخاص لتطبيق نظام المشتريات الحكومية وشراء منتجاتنا الوطنية، إذ لن تنجح هذه المشاريع في تحقيق أهدافها التنموية الرائعة دون وصول فوائدها للمواطن العامل في الصناعة المحلية والموظف البسيط في الشركة الوطنية.