كنتُ أمشي برواق المستشفى حين مشى بجواري زوج يتلفظ بلهجة حادة: "تسكتين والا ألطمك قدام الناس" لزوجته الملفعة بمرارة الصمت والخجل، تجر صغارها، لم أستطع إلا أن أسمع كما سمع غيري من المارة هذا الزوج "الوقح" الذي لم يحترم زوجته، ناهيك أنها أم أولاده! بل لم يحترم أطفاله ولا مشاعرهم وهم يشاهدون هذا الموقف أمام العامة برؤوس منكسة للأرض خجلا من والدهم، وما خفي كان أعظم! فقد تخيلتُ كيف هو حالها في البيت معه بعيدا عن الناس، ولا أكذب إذا قلتُ إنها ليست المرة الأولى التي أشاهد فيها موقفا بهذه المرارة، فمنذ فترة شاهدتُ موقفا مشابها بأحد مراكز التسوق، كان صراخ الزوج يُسمع على الملأ من فرط علوه، وهو يشتم زوجته بألفاظ شديدة القسوة وهي صامتة حزينة؛ ولم يكن يتبقى له سوى أن يضربها أمام المتسوقين! لسبب تافه فهمه من شهدوا الموقف، وهو طلبها منه أن يتناولوا مع أبنائهم الطعام بأحد مطاعم السوق! وأتذكر أني شاهدتُ أكبر أبنائهما وكانت فتاة مراهقة حاولت أن تهرب بعينيها من المتسوقين ممن لم يخفوا نظرات الشفقة على أمها مع هكذا أب "همجي"!
في ظلّ ذلك؛ تذكرت خبرا قديما عن زوجة أميركية رفعت قضية اغتصاب ضد زوجها فسُجن على إثرها، فقط لأنه أراد ممارسة حقه كزوج وكانت نائمة فأيقظها وحرمها من أحلامها دون أن يعلم أنها انزعجت من إيقاظها، فما إن استيقظ من نومه إلا ووجد رجال الشرطة على رأسه يقيدونه بعد أن اتصلت بهم تشكوه!
باختصار؛ أيظن هكذا رجل يظهر قوة عضلات لسانه على المرأة في أماكن عامة من الرجولة؟ فهؤلاء ليسوا سوى ذكور! وقد يقول القائل: السبب من هؤلاء النسوة، لأنهن سمحن لأزواجهن بالتمادي وعدم احترام إنسانيتهن! وأرد أنه ما دام لا يوجد قانون يحمي هؤلاء النسوة من هكذا عنف، وما دامت من ترغب في الطلاق تجد نفسها معلقة لسنوات بقضية في المحاكم، فلا هي بمتزوجة ولا مطلقة! وما دام طريق النجاة أن تدفع مهرها ولو بعد سنوات عشر وإنجاب الأطفال بمئات الآلاف في قضية خلع، وقد ينتهي بها الأمر للعودة إلى أسرتها التي تزيد من الطين طينا بنبذها لكونها مطلقة، ناهيكم أنها قد تُحرم من حضانة أطفالها لصالح الأب! كل هذه الظروف القاسية التي تعانيها بعض النساء لعدم وجود قوانين واضحة وحازمة، ورقابة تنفيذية لقضاياها في المحاكم، يجعلها تستسلم لعنف الزوج وتتجرع المرارة في عيشها معه، فلا شيء يعينها لمواجهة هذا الإذلال في مجتمع ذكوري ينجب ذكورا كهذه، يصلون من الوقاحة أن يضربوا زوجاتهم نهارا ويشتمونهن أمام العامة عيانا!
فمتى تصدر قوانين حازمة تحمي المرأة من هكذا إذلال ومهانة! متى؟