من الطبيعي أن نستبشر بالانتخابات، كونها فعلاً ديموقراطياً نتطلع إليه باعتباره حقاً مشروعاً لكل فرد في اختيار من يمثله في موقع التشريع والمواقع التنفيذية المهمة في مؤسسات المجتمع. وما إن نسمع بإقرار حق الانتخابات أيا كان مجالها، حتى تتهادى إلى قلوبنا نفحة عليلة من الأمل نحو الأفضل. ومع كل دورة انتخابات كبر تأثيرها أم صغر تتداعى إلى أذهاننا تجارب انتخابية سابقة قد تكون أقل وردية مما كنا نتوقع، إلا أنها مع ذلك تجربة مجتمعية ثرية نحتاج دوماً لاستمرارها ولتطويرها والبناء عليها والارتقاء بها. فالانتخاب في المحصلة يعني إمكانية مساهمة المواطنين الذين تتوفر لهم الشروط القانونية في اختيار من يمثلهم وفقاً لما يرونه صالحاً لهم.
يبدو أننا اليوم على موعد متأجج جديد مع قلق الانتخابات حتى وإن كانت مجرد مرحلة انتقالية نعبرها كي نمهد الطريق لما بعدها ولكي نعمق جذورها السليمة في عقول وسلوك أفراد مجتمعنا في ظل غياب ثقافة الانتخابات. وسط هذه الظروف جاءت لائحة الأندية الأدبية الجديدة مبشرة باستعادة عافية الانتخابات التي كانت قد دخلت غرفة الإنعاش منذ عشرين عاماً.
ومع استبشارنا بإقرار الانتخابات في تشكيل مجالس إدارة الأندية الأدبية نغرق في بحر من الأسئلة المشروعة والمحفزة على تجاوز الضبابية التي لفتنا غمامتها وبتنا نتساءل: ماذا نعني بانتخابات الأندية، وأي أسماء ستطرح والبيروقراطية مهيمنة على كل شيء، هل نملك ثقافة تؤهلنا لممارسة الانتخاب حقاً؟ ثم أين هم الناخبون، أعضاء الجمعية العمومية لكل ناد أدبي؟ ومتى تتشكل الجمعيات العمومية؟ هل ستتأثر الانتخابات بسلبيات تغزو المؤسسات بأنواعها في مجتمعنا مثل الشللية والمناطقية؟ هل سنخرج من هذه الانتخابات ونحن أكثر اقتناعاً ورضاً أم إننا سنلقي باللوم عليها ونتمنى العودة إلى مرحلة تجميدها؟ هل ستحل الانتخابات مشاكل المثقفين والمثقفات وتبدد ليلهم الطويل لممارسة الفعل الثقافي بشكل حر؟ هل ستأتي الانتخابات بمجلس إدارة أكثر كفاءة واستحقاقا في ممارسة الفعل الثقافي؟ هل ستخوض المرأة انتخابات الأندية؟ ماذا أعددنا من برامج تدريبية للناخبين؟
في ظل هذه التساؤلات المتسارعة، على الأندية الأدبية في كل مناطق المملكة العمل بشكل جدي منظم لمرحلتين. المرحلة الأولى تتعلق بتشكيل الجمعيات العمومية في الأندية والتي تتكون من جميع أعضاء النادي العاملين، السارية عضويتهم ولهم الحق في حضور الاجتماعات والاشتراك في المناقشات والتصويت، كما جاء في المادة 17 من اللائحة. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة قيام أعضاء الجمعيات العمومية في التصويت لانتخاب أعضاء مجلس الإدارة كما جاء في المادة 19 من اللائحة.
تقول اللائحة الجديدة إن على الأندية الأدبية تشكيل جمعيات عمومية عن طريق إصدار بطاقات عضوية في الأندية حسب شروط معينة حددتها اللائحة (تحفظ الكثيرون عليها). شخصياً لا أعرف أن هناك بطاقات عضوية لأي ناد حتى اليوم. فحتى المواقع الإلكترونية لهذه الأندية لا تشير إلى العضوية بحال من الأحوال باستثناء نادي الجوف والذي لم أستطع الدخول لنموذج بيانات عضويته ربما لإيقافها مؤقتاً تحسباً للائحة الجديدة وبعضها تشير إلى الأعضاء باعتبارهم أعضاء مجلس الإدارة فقط. هرعت إلى أرشيف بطاقاتي المخبأ تحت ركام الماضي لأجدد اللقاء وألقي التحية على بطاقة العضوية الوحيدة التي مازلت أضمها ضمن قائمة انتماءاتي المدنية. وجدتها مخبأة بشموخ يأبى على الانكسار رغم تقلب الأيام، إنها بطاقة عضوية "جماعة حوار" ممهورة بختم النادي الأدبي الثقافي بجدة منذ عام 1423. شيء لا يمكن استيعابه.. أيعقل أن يكون لدينا ستة عشر نادياً أدبياً ثقافياً لم تصدر بطاقات عضوية ولم تكون جمعيات عمومية حتى اليوم! على كل حال لعلها بادرة خير أن تنتشلنا اللائحة الجديدة من هذه الغفلة وتدعو الأندية لتكوين الجمعيات العمومية تمهيداً لممارسة فعل الانتخابات الذي غاب طويلاً.
وحتى تتحقق المسؤولية الانتخابية ومتطلباتها الشرعية والقانونية لا بد من ضمان سلامة سير الانتخابات في الأندية الأدبية من خلال وجود لائحة تنظيمية متكاملة ومكمّلة للائحة الأندية الجديدة وإجراء عملية الانتخاب بشكل شفاف وتحت إشراف لجنة مراقبة تشكلها الجمعية العمومية للنادي الأدبي. للحديث بقية، وكل انتخاب ونحن بخير.