"في يوم من الأيام اختلفت مع مقيم عربي وكنت أنا الغلطان فاشتبكنا معا بالأيدي، وكان أكثر قوة مني، وعندما تجمع بعض الجمهور قالوا: سلامات، قلت: هذا ما يخاف الله يسب الدين، وما هي إلا لحظات حتى أشبع ضرباً.."!

كان هذا الاعتراف الحارق للقولون تعليقاً من القارئ الوطني النادر/ "محمد بن مدشوش" على احتدام النقاش يوم الثلاثاء الماضي!

لا يخفى ما ينم عنه هذا الإحساس النبيل من ضمير خلق من معدنٍ لا يصدأ، وسيغفر الله له فالله لايخلف وعده {ومن يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً}. ولكن المهم هو ما يعبر عنه هذا الموقف من ثقافة خطيرة تكرست في مجتمعنا منذ أربعين عاماً، تستخدم الدين أكثر مما تخدمه، لا سيما في التعليم والإعلام! وقد قلنا مراراتٍ مفرتكةً عديدة: لا خوف من تيارٍ يعبر عن رأيه في الهواء الطلق، ويطبق ما يعتقده صواباً من قناعات دينية في وضح النهار، لكن الخوف كل الخوف من شريحة يدفعها "التخوف" إلى المواربة والقيام بمبادراتٍ تظن أنها ترضي التيار الديني، حتى جعلت من "المطاوعة" فزاعةً شماعة تعلق عليها تقصيرها وتقاعسها في شتى مجالات التنمية!

كلنا ـ مثلاً ـ نعرف رأي التيار الديني المعلن في الموسيقى والغناء، وأن "المطاوعة" يحرمونهما تحريماً لا هوادة فيه، ولكن ليس هم من يمنع (عطني المحبة) ويسمح بـ(الله الأول وعزك يا الوطن ثاني)! لو كان الأمر بيدهم لمنعوهما كلتيهما قطعاً، ولو كان الأمر بيد الفزاعة الأخرى "الليبرالية" لسمحت بكلتيهما! ولكن فتش عن الممرات الرمادية، وشعار المسؤولين العابرين فيها: من يفكنا من "المطاوعة"؟

وأخطر وأظلم ما استخدمت وتستخدم فيه فزاعة "المطاوعة" هو التعليم! ولا لوم على من يعتقد باختلاس التيار الديني للتعليم، كأستاذينا القديرين/ "حمزة المزيني"، و"أحمد العيسي"؛ فهما يتحدثان عن "الثمرة"، أما الشجرة فهي الفكر الإداري البيروقراطي في الوزارة المترهل منذ 1403هـ، بعد أن بلغ التعليم الذروة في وزارة معالي/ "حسن بن عبدالله آل الشيخ" وكان قاضياً شرعياً ـ يعني "مطوع" رسمي ـ وجناحيه صاحبي السمو/ "خالد بن فهد بن خالد" و"محمد العبدالله الفيصل"!

وخير من يمثل تلك الشجرة هو معالي الوزير الأسبق/ "محمد الأحمد الرشيد"؛ حيث فتح باب المساءلة للتاريخ ـ الذي لا يظلم ولا يرحم ـ حين رفع فزاعة "التيار الديني" فيما عرضه الزميل الوطني/ "محمد المسعودي" في مقالة بعنوان (من مذكرات وزير سابق) بتاريخ 7/10/2012م، وحملها المسؤولية عن تخلف المقررات الدراسية، لكن معاليه لم يخبرنا هل هي المسؤولة أيضاً عن تعطيل مشاريع بناء المدارس الحكومية بنظام التأجير المنتهي بالتمليك الذي أقره مجلس الوزراء سنة 1419هـ؟ وعن عدم استحداث آلاف الوظائف التعليمية وتمطيط بند (105) وسقوط المئات من "شهيدات الواجب"؟ وعن ترهل البيروقراطية بتعيين ما يزيد عن الثلاثين وكيلاً للوزارة؟ وعن.. وعن.. و"ابتل عنعن"!!