كان من اللافت والمقدر إيجاباً، أن أصدرت وزارة الداخلية بيانها الأخير، الذي قصد الرد والتوضيح عقب تفشي ظاهرة الاعتصامات من قبل بعض أهالي الموقوفين، أو من غير أهلهم، وحتى مع كون البعض يرى أن الداخلية قد تأخرت في إصدار مثل هذا البيان، إلا أن الخطوة إيجابية في كل حال، وأظن أنه ما زال على الوزارة أن توالي إصدار بيانات تفصيلية عن هذا الملف الشائك، حتى من غير أن يكون ذلك رد فعل للاعتصامات؛ لأن توالي صدور مثل هذه البيانات سيكون كفيلاً بإطفاء كثير من الأسئلة المعلقة التي ترفع سبابتها بين كل فترة وأخرى، والواقع أن صمت الداخلية السابق قد خلق بيئة خصبة ليصطاد في مياهها العديد من الانتهازيين، وجمع ممن يدعون أنهم نشطاء سياسيون، أو أنهم مدافعون حقوقيون. وحتى بافتراض حسن نية البعض ممن يرفعون لواء الدفاع عن الموقوفين، إلا أن الغموض الذي اكتنف هذا الملف أتاح الفرصة لبعض مثيري الفتنة، لتبني هذا الملف وحشد المناصرين له والمتعاطفين معه ـ ولو عن جهل ـ من خلال التحريض الواضح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تجعل حتى المحايد يحار في موقفه، وقد يلزم الحياد في حده الأدنى إن لم ينجرف وينحاز ضد وزارة الداخلية تبعاً لما قرأه من تعليقات تكتب بلغة عاطفية تحريضية، تظهر الدولة في موقف المدان والجاني، على نحو يهيء لخلق الفتنة وشق الصف نتيجة الصمت الذي يستغله بعض الانتهازيين المغرضين من داخل المملكة وخارجها ليجعلوا ملف المعتقلين مثل قميص عثمان.
لقد جاء بيان الداخلية ليضع النقاط على الحروف، بالنسبة لعدد من المعتقلين الذين كانت ترفع أسماؤهم في الاعتصامات بما يثير حالة من الشك في هذا التبني، خاصة وأن هذه الأسماء هي لمن قد أدينوا وجرموا، وصدرت بحقهم الأحكام العدلية القضائية، ومعلوم أن الجريمة جناية وتعد على القانون الذي يسوس الناس ويرعى مصالحهم في الأمن والرزق وما يتبعها من حقوق، وأي خرق أو تجاوز من أي أحد فإن القانون له بالمرصاد، يتساوى في ذلك الرجل والمرأة، بما يعني أن وجود امرأة أو أكثر بين الموقوفين لا يشفع لهن أو يمنحهن حصانة أو استثناء من تطبيق العقاب، وذلك كرد على بعض الذين يزايدون ويرفعون عقيرتهم في الدفاع عن امرأة موقوفة لا لشيء إلا لكونها امرأة لا يليق بهاـ في حسبانهم ـ أن تسجن!! وهذه دعوى باطلة ومتهتكة لا يحميها المكانة أو الرعاية المجتمعية التي تحظى بها المرأة عندنا، فالجريمة لا جنس لها ولا عمر.
وسيكون من حسن التدبير والتقدير، أن تستمر الوزارة في المبادرة بإصدار البيانات التوضيحية بين فترة وأخرى، وأن تكون الوزارة مبادرة وفاعلة خير، من أن تكون إيضاحاتها ردود أفعال، ونتطلع إلى أن تجيب بياناتها القادمة على كثير من الأسئلة المعلقة، وكثير من الإشاعات التي يجب صدها بالأرقام والإحصاءات حول عدد الموقوفين الحقيقي، والذي يتخبط في أرقامه الخائضون والمرجفون والخراصون.
كما يحسن توضيح أنواع وجرائم المتهمين، وأن تضرب الداخلية بلسان من حديد، على كل من يسول له لسانه الولوغ في هذا الملف، وإشعال الفتنة والإرجاف، بما لا يسمح للمغرضين الذين يستهدفون وحدة صف هذا الوطن ومواطنيه، أن يخوضوا بغير علم أمام المعلومات المدققة والحقائق الناصعة.