تعاني المرأة من سيطرة العقلية الذكورية على ذهنية المجتمع العربي، وفي مجتمعنا بشكل خاص، بشتى خطاباتها الاجتماعية الموجهة للمرأة، وهي لذلك تفرز قوانينها وأحكامها الفقهية كثيرا بما يتفق مع مصالحها "الذكورية" التي تنتصر للعادات والتقاليد مما لا علاقة له بالدين، ولكن تتخذه ثوبا لفرضها، فالملاحظ للعامة توجيه معظم خطاب الوعظ بتشدد فيما يخص المرأة، فالخطأ الذي يقترفه الرجل يُعلق على ظهرها لا ظهره، وإن كان هو من أخطأ ومن تحرش ومن دفعها إلى الخطيئة! نتيجة نظرة قاصرة للمرأة لا تخرج عن زاويتين، إحداهما أنها خُلقت لخدمة الرجل، والأخرى أنها فتنة خُلقت لأداء وظيفة الشيطان في غواية وامتحان غرائز هذا الرجل أيضا!!
ولأجل ذلك كثر على كاهلها الكثير من موجبات الطاعة، ولو على حساب إنسانيتها وحقوقها، إذ عليها إسعاده وإلا لعنتها الملائكة، والصبر عليه لو كان سيئ العشرة، لأنه سيكون مصدر أجر وسعادة أخروية كما تم تلقينها، وفي ذات الوقت كونها "فتنة" و"غواية" زاد على كاهلها المحرمات من باب سد الذرائع حتى فيما أباحه الله لها، وجوزه يسرا وسعة لحياتها وحفظا لحقوقها، أيضا وقاية لهذا الرجل "المدلل" من الخطيئة!! فيما الحقيقة لا تخرج عن حفظ لمصالحه الذكورية وتحقيقا لغريزة التملك لها، فألزمها بما لم يلزمها الدين به من أعراف وتقاليد حتى في المسائل الخلافية الفقهية.
إلا أن الأمر مختلف في ذات الخطاب الوعظي الديني مع الرجل، نلاحظ أنه يتساهل معه كثيرا بخلاف المرأة، ولنأخذ مثالا صغيرا: مسألة إطلاق اللحى وقص الشوارب، ومقارنتها بمسألة كشف وجه المرأة المختلف عليها فقهيا والتي ذهب لجوازها أكثر الفقهاء.. فقد ذكر في البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: "أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى"، وفي صحيح مسلم: "أحفوا الشوارب، وأعفوا اللحى"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "الفطرة خمس؛ الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط"، كما نقل عن سيرته العطرة أنه كان كث اللحية وهو لذلك خير قدوة نتمثل بها، وعن الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى ذكر: "حكم اللحية في الجملة فيه خلاف بين أهل العلم، هل يجب توفيرها أو يجوز قصها؟ أما الحلق فلا أعلم أحدا من أهل العلم قال بجوازه"، ومع هذا الخطاب الصريح في هذه المسألة؛ لكن لا نلحظ إلزام الرجال بذلك عندنا، أي إعفاء لحاهم وقص شواربهم التي تعتبر في العقلية الذكورية رمزا للرجولة الذكورية، فلم أسمع يوما خطبة وعظية ترهب الرجال في منابر المساجد بالنار وجحيمها لمخالفتهم أمرا نبويا صريحا، كما هو الحال مع المرأة إذا ما كشفت وجهها وهي مسألة مختلف فيها، بل ولا تتم ملاحقتهم باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما تلاحق المرأة لكشف وجهها! فما رأيكم؟!