حيوي كل هذا الجدل، وسيول الكلام السعودي على الفضائيات، حيث القضايا والنقاش وردود الفعل والتصريحات و"النشب" ونجوم المجتمع في كل المجالات، ظل السعوديون لسنوات يتحدثون عما يفكرون به خارج الحدود مشغولين بغيرهم، التقطت الفضائيات اللبنانية تحديدا هذا الخيط مع حالة الانفجار الفضائي التي أعقبت حرب تحرير الكويت 1991 وفردت ساعات البث لهم حضورا واتصالات، الهدف كان تجاريا في صميمه، حيث كعكة الإعلان اللذيذة التي تلهث خلف مؤشرات المتابعة وقوائم المشاهدين، لكن الحال انقلب مع مرحلة الاستقطاب السياسي والطائفي التي سادت المنطقة عقب غزو العراق.
أدرك السعوديون بوعي أن ثمة توظيفات سياسية وأيديولوجية تراد لظهورهم، فعادوا إلى حدودهم الجغرافية مدركين أنهم أمام تحد جديد، وجدوا وطنهم ومشروعهم الحضاري كبشر في مواجهته، وأعني هنا الإرهاب.. هنا بدأت موجة العودة إلى الداخل التي اتسعت بفضل استثمارات محلية في الإعلام والفضائيات تحديدا، انتبه المستثمرون وأصحاب الفضائيات إلى أن ثمة قنوات خليجية تجذب مشاهدهم المواطن بفضل تبنيها إنتاج مسلسلات وتقديم برامج حوارية دينية ورياضية، ومن هنا بدأ التنافس، كان أنموذجهم جاهزا وباهر النجاح. بالطبع كان المصريون قد أنجزوا تحرير الإعلام بعد إصلاحات طالت قطاعه 2005، اندفع كثير من رجال الأعمال المصريين لتأسيس محطاتهم التلفزيونية، وكطبيعة أبناء المحروسة امتلأت شاشاتهم بقضاياهم شديدة المحلية دون الانشغال بالآخرين، كذلك فعل الكويتيون بعد قانون الوزير أنس الرشيد 2006 الذي سمح بإنشاء صحف ومحطات فضائية خاصة، فبدأت المنطقة تعيش فورة الإعلام الخاص، وقوامها الجمهور المحلي.
أدرك المستثمرون السعوديون معادلة النجاح فاتجهوا إلى كل قضاياهم ومشاكلهم اليومية، وبدؤوا بإطلاق برامج "التوك شو" بنجوم محليين شباب لاستيعابها واحتوائها وجني ثمارها الإعلانية، واليوم تتناسل هذه البرامج، ويوميا تدخل إلى الشاشة منتجات جديدة توغل في خصوصيتها وتتصاعد في جرأة تناولها، نسي المشاهد البسيط الذي يواجه مشاكله التنموية والخدمية؛ نسي القضايا القومية والأممية التي أشغلته سنوات، عاد إلى ذاته ليراها على الشاشة متفاعلا وحيويا، نابضا بالأفكار والجدالات.