يحيي الخليجيون اليوم الجمعة الذكرى الـ31 لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية والذي استطاع بكل جدارة واقتدار أن يصمد رغم كثير من التحديات التي واجهته منذ قيامه وحتى الآن، فيما سجلت حرب تحرير الكويت من القوات العراقية الغازية نفسها كأهم الاختبارات التي واجهتها المجموعة الخليجية بموقف موحد وصارم.

وبرز الدور الخليجي بشكل كبير وواضح خلال عام 2011، وخصوصا مع أحداث الربيع العربي، والتي استطاع الخليجيون التعامل معها وإدارتها على نحو جنب المنطقة الكثير من الأزمات التي لو وجدت لكانت أدت إلى تفاقم الأوضاع سوء.

وتحل الذكرى الـ31 على الخليجيين في تأسيس مجلسهم، في وقت تبذل فيه الدول الست جهودا مكثفة في دراسة مقترح خادم الحرمين الشريفين للتحول من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد.

تنسيق السياسات

وامتدح عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود، الخبير السياسي الدكتور صالح الخثلان في تصريحات لـ"الوطن" الدور الذي يقوم به الخليجيون لناحية تنسيق السياسات على المستويين الوطني والخارجي عبر المجالس الوزارية المتخصصة من خلال الاجتماعات المتواصلة والاتفاقيات التي تبرم من خلال الاجتماعات الماضية، مما يعني أن هناك خطوات باتجاه تعزيز التعاون بين دول المجلس في هذه المجالات، غير أنه يرى أن تطلعات الشعوب الخليجية لا تزال مرتفعة وعالية، وهو ما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين في أكثر من مناسبة خليجية. وقال: إذا ما قيس إنجاز المجلس بتطلعات المواطنين قد نجد أن هناك فجوة بين تطلعات المواطن في الشارع وبين ما وصل إليه المجلس بعد 30 سنة. وأضاف الخثلان "هناك أناس تعتقد أن هذه السنوات كان يفترض أن يكون وصل فيها المجلس إلى درجة عالية من التكامل، وهذا ما لم يتحقق، لأن المسائل الأساسية تعكس التكامل مثال السوق الخليجية المشتركة، الوحدة النقدية، المواطنة الخليجية"، مبديا اعتقاده بأن هذه الأهداف الكبرى ما زالت متعثرة.

مبادرة الاتحاد

ويؤكد الخبير السياسي السعودي أن الأحداث التي شهدتها المنطقة في عام 2011 يجب أن تكون محفزة للدول الخليجية للانخراط في مبادرة "الاتحاد" التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الرياض ديسمبر العام الماضي، داعيا الدول التي حظيت باستقلالها حديثا ألا تتعامل بحساسية مفرطة مع هذا الاتجاه وألا تخشى على سيادتها. ونوه الدكتور الخثلان بالدور السياسي المتقدم الذي لعبته الدول الخليجية خلال أحداث الربيع العربي، سواء في المنطقة أو خارجها، حيث كان هناك درجة عالية من التنسيق السياسي في الموضوع الليبي واليمني والسوري. ولهذا يرى الخثلان أن هناك إدراكاً بدأ يتنامى من جميع دول المجلس بخطورة البيئة الإقليمية المحيطة بدول المجلس، وهو ما يتطلب أن ينطلق ويخرج من مسألة التردد والتحفظ، لأن ذلك لم يعد مناسبا في ظل الظروف الراهنة. وبين أن هناك نظرة جماعية لقادة دول المجلس تدرك خطورة الوضع في المنطقة والتحولات التي حدثت وأدت إلى عدم التوازن الإستراتيجي في المنطقة لصالح إيران، وتحديدا بعد احتلال العراق ومن ثم هيمنة إيران على العراق، وقال "كل هذه التحولات أقنعت قيادات مجلس التعاون أنه لا يمكن مواجهتها إلا بدرجة عالية من التنسيق في الشأن الخارجي والدفاعي".

ضرورة التنسيق

وأضاف الخثلان "لا شك في أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين بالانتقال من مرحلة التعاون إلى الاتحاد جاءت على أساس أن التعاون لم يعد كافيا في هذه المرحلة ويجب الانتقال إلى الاتحاد، لأن الأخطار التي تحيط بدول المجلس تتطلب درجة عالية من التنسيق، ولا يحدث ذلك إلا بالاتحاد".

ويعتقد الخثلان أن العقبة الأهم في مسألة الانتقال من التعاون إلى الاتحاد تكمن في عدم وضوح الصورة حتى اللحظة، مما أحدث حالة من التوجس من بعض الدول، غير أنه أكد أن الهدف الأهم من كل هذا هو الوصول إلى اتحاد يعطي درجات عالية من التكامل والوحدة بالمواقف السياسية والاقتصادية والدفاعية والأمنية. وأضاف "قوة دول المجلس هي بالاتحاد. والوقع أن الدول الست أكرمها الله بثروات هائلة جدا، لذلك هي محل اهتمام العالم، ولكن قدرات بعضها في حماية هذه الثروات محدودة، لذلك فكرة الاتحاد مهمة لدول المجلس، لأننا نحن كيان واحد".

اجتياز المخاطر

من جانبه، أكد أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبداللطيف الزياني أن مجلس التعاون نجح خلال السنوات التي خلت في اجتياز المخاطر وتخطي الصعاب، وأثبت للجميع صلابته وتماسكه واستمراريته، مؤكدا أن مجلس التعاون يزداد ثباتا ورسوخا مع مرور الزمن، ولا سيما في عصر التكتلات الإقليمية والدولية التي يشهدها العالم في الوقت الراهن. وأوضح أن المجلس الآن يتجاوز العقد الثالث من عمره، وقد خطا خطوات مهمة نحو التعاون والتنسيق والتكامل بين دوله.

وقال "إن هذه الخطوات قد يراها البعض بطيئة أو دون المأمول"، لكن طبيعة العمل المشترك تجعل من الصعب السير بسرعة، التي يتوقعها ويتمناها المتطلعون إلى النتائج والمستفيدون من المنافع.

وأكد أنه لولا عزم وإصرار قادة دول المجلس، ودفعهم المستمر للمسيرة الخليجية إلى الأمام، لما استطعنا الوصول إلى هذه المرحلة المهمة، مضيفاً أن ترحيب ومباركة قادة دول المجلس بالاقتراح المقدم من رئيس الدورة الحالية للمجلس الأعلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وهو الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، يؤكد إيمانهم بأهمية هذا الهدف وأثره الإيجابي على شعوب المنطقة، وتحقيق ما تتوقعه وتستحقه شعوبنا من أمن ورفاه وازدهار.

الصرح الشامخ

فيما أشاد الزياني بنتائج اللقاء التشاوري الرابع عشر الذي عقد في الرياض في 14/5/2012، الذي وجه المجلس الوزاري باستكمال دراسة ما ورد في تقرير الهيئة المتخصصة بدراسة الانتقال من مرحلة التعاون إلى الاتحاد، والرفع بما يتم التوصل إليه من توصيات إلى قمة المجلس الأعلى التي تعقد في الرياض، ووصف القرار بالخطوة المهمة التي تجسد اهتمام القادة بدعم وبناء وتقوية هذا الصرح الشامخ. وبين أن مقترح خادم الحرمين الشريفين ينطلق من الأهداف التي تضمنها النظام الأساسي للمجلس، وهو الوصول إلى الوحدة، مشيرا إلى أن حصيلة الإنجازات التي تحققت فعلياً خلال ثلاثة عقود تمثل الأرضية الصلبة التي ستسهم في ترجمة هذا الطموح إلى واقع، فقد تم فعلياً تحقيق عدد من الإنجازات في مجال تحقيق المواطنة الخليجية في المجالات كافة مثل مساواة طلاب المجلس في الاستفادة من التعليم قبل الجامعي، والمساواة في الحصول على الخدمات الصحية، والعلاج المجاني في المستشفيات والمراكز الحكومية، ومد مظلة الحماية التأمينية لمواطني دول المجلس العاملين في أي دولة عضو، والمساواة في تملك العقار والأسهم، كما أقيم الاتحاد الجمركي، وتم إلغاء الضريبة الجمركية بين دول المجلس، ومشروع السكة الحديدية بين دول المجلس، والربط الكهربائي، والسوق الخليجية المشتركة، ووحدت دول مجلس التعاون الكثير من الأنظمة والقوانين في مجال الأمن والتعليم والصحة والتأمينات والتقاعد والتجارة والزراعة والصناعة والاستثمار وتداول الأسهم وتملك العقار، وفي المجالين العدلي والقانوني.

مكانة رائدة

وأكد الأمين العام للمجلس في ختام تصريحه أن دول مجلس التعاون كانت وما زالت تعمل على تعزيز مسيرة العمل الخليجي المشترك ودفع المسيرة إلى آفاق أرحب للمزيد من التكامل بين دول المجلس لما فيه خيرها وازدهارها وأمنها واستقرارها، ليتبوأ مجلس التعاون مكانته الرائدة وحضوره الفاعل في المنظومة الدولية.

وتمثل المملكة العربية السعودية بمكانتها الإقليمية والدولية وبحكمة قيادتها، عمقاً إستراتيجياً لشقيقاتها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتقوم بدور فاعل في تحقيق أهداف مجلس التعاون الخليجي عبر مختلف الصعد الداخلية والخارجية في دعم كل عمل يسهم في تعزيز العمل البيني المشترك، وكذلك مع العالم الخارجي عربياً وإسلامياً ودولياً خدمةً للقضايا ومواجهة التحديات المختلفة التي تخص دول المجلس.

قرارات المملكة

وسارعت المملكة بوضع عدد من القرارات موضع التنفيذ، وصدر من المجلس الكثير من القرارات، سعياً إلى تعميق أواصر الأخوة بين شعوب دول المجلس وتعزيز وحدة المجلس عبر النشاطات الاقتصادية والتجارية والنقدية وتنسيق السياسات الخارجية تجاه القضايا العربية والإسلامية والدولية.

ومن القرارات التي اتخذتها المملكة من خلال مجلس الوزراء لتطبيق قرارات المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وذلك بمناسبة احتفال دول المجلس بمرور واحد وثلاثين عاماً على قيام مجلس التعاون الخليجي، البدء في المجال الأمني، حيث كانت المملكة في مقدمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في إدراك أهمية التعاون على الصعيد الأمني، إيماناً منها بأن الخطط التنموية والتطور والازدهار لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل الأمن والاستقرار. وصادق المجلس الأعلى في دورته الخامسة عشرة التي عقدت في دولة البحرين في شهر ديسمبر 1994م على مشروع الاتفاقية الأمنية لدول المجلس. ووافق مجلس الوزراء في جلسته التي عقدت في 27 مارس 1995 م على الاتفاقية الأمنية بين دول المجلس، وعلى الإستراتيجية الأمنية الموحدة لمكافحة ظاهرة التطرف المصحوب بالإرهاب في دول المجلس، كما وافق على مشروع اتفاقية نقل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية. وفي إطار مكافحة المخدرات وافق مجلس الوزراء بتاريخ 12 أكتوبر 2009م على النظام الأساسي لمركز المعلومات الجنائية لمكافحة المخدرات للمجلس الذي اعتمده المجلس الأعلى لدول الخليج العربية في دورته التاسعة والعشرين.

التعاون العسكري

أما في المجال العسكري فقد اتسّم التعاون العسكري بين دول المجلس بالعمل الجاد في بناء وتطوير القوة العسكرية الدفاعية بدول المجلس، ففي نطاق الدفاع المشترك لدول المجلس بادرت المملكة متضامنةً مع شقيقاتها دول المجلس إلى تشكيل قوة درع الجزيرة، إذ قرر المجلس الأعلى في دورته الثالثة المنعقدة في مملكة البحرين بتاريخ 19/ 11/1982م ، الموافقة على إنشاء القوة وعلى مهمتها كما حددها وزراء الدفاع في اجتماعهم الثاني، وتم تكامل وجود القوة في مقرها في حفر الباطن في المملكة العربية السعودية في 15/10/1985م.

ووقعت الدول الأعضاء على اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون في الدورة الحادية والعشرين للمجلس الأعلى التي عقدت في مملكة البحرين بتاريخ 31/12/2000م، وجاءت الاتفاقية تتويجاً لسنوات من التعاون العسكري وبلورة الأطر ومنطلقات أهدافه ولتؤكد عزم دول المجلس على الدفاع الجماعي ضد أي خطر يهدد أياً منها. وفي الشؤون الاقتصادية كان التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء يعد أحد الأهداف الأساسية لمجلس التعاون لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

الاتفاق الاقتصادي

كما تعد الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول المجلس التي وقعت في الدورة الثانية للمجلس الأعلى التي عقدت في مدينة الرياض في 11 أكتوبر 1981 م محوراً أساسياً من محاور العمل المشترك في إطار مجلس التعاون، سعياً لتحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء. كما أنجزت المملكة برنامجاً زمنياً لإقامة الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة لدول المجلس، وتم إنشاء لجنة فنية عالية المستوى "لجنة الاتحاد النقدي" من وزارات المالية ومؤسسات النقد والبنوك المركزية من دول أعضاء المجلس لاستكمال بحث تقارب معايير الأداء الاقتصادي والاتفاق عليها. وتعمل اللجنة على التمهيد لإطلاق العملة الموحدة لدول المجلس. وسعت المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية للسماح لمواطني دول مجلس التعاون باستئجار وتملك العقارات المبنية والأراضي لغرض السكن أو الاستثمار في أي دولة عضو بإحدى طرق التملك.