عصام محمد كيكي
أوضحت الثورات العربية أن الأنظمة السابقة أخطأت كثيراً في تقييم الزمن وما يحمله من تغيرات وكيفية التعامل معه بالشكل الحضاري.. فكان الثمن باهظاً.
والمتابع لتاريخ الأمة العربية يجد أنها كانت تبالغ كثيراً في تعاطيها مع الأزمات المختلفة التي تمر عليها من حين لآخر، حيث تلاحظ أن نهوضها من تلك الكبوات عادة ما يكون متأخراً جداً.
وقد ظهر مصطلح الربيع العربي بعد قيام الثورات في عدة دول عربية في إشارة لظهور عهد جديد على الأمة العربية يمحو باخضراره كل جفاف عانت منه تلك المجتمعات.
ولكن يظل السؤال قائماً: هل تحقق مضمون هذا المسمى الجذاب بكل دلالاته على أرض الواقع؟
أولاً: عندما وضع جيل الثورة في ذهنه كسر كل القوانين المكبلة للحرية والمطالبة الدائمة بترسيخ الديمقراطية غاب على الكثيرين منهم صعوبة تحقيق ذلك في ظل غياب النظام الكامل لها في الوضع الراهن، إضافة لصعوبة وضع توصيف دقيق للبناء الفكري الجديد وما يحمله من معطيات ومتطلبات في ظل ظهور التباعد والتنازع السياسي للأحزاب والمؤسسات المختلفة، التي تجاهد كل منها على كسب المجتمع المدني بما يتفق مع توجهاتها ومصالحها وأفكارها.. وبمعنى آخر استقطاب أكبر شريحة ممكنة من المجتمع لاعتناق (أيديولوجيا جديدة خاصة بها)!!
ثانياً: المشهد السياسي الداخلي وبالأخص في مصر واليمن يعيش مرحلة مخاض عسيرة بالشكل الذي يوضح بأن أوضاعهما لا تنسجم كثيرا مع تصورات وتطلعات الثورة، ولا تعادل حتى الآن قيمة الثمن المدفوع من الأرواح والدماء بغض النظر عن سياسة التشفي والانتقام؛ مما حدا بالكثير من المراقبين لوصف الأوضاع الحالية (بالمنحدر الخطر) الذي أدى لانقسام الرأي العام بين المؤيد والمعارض أو المحايد في الأفكار والأهداف والوسائل الهادفة للتغيير، مع تمسك الأحزاب السياسية المتضادة والتيارات المناهضة والمؤسسات الناشطة بقناعات لا تحيد عنها.
ثالثا: ظهور فاعلين سياسيين جدد على الساحة الوطنية مستترين خلف شعارات وطنية زائفة وساعين لأخذ الثورة للوراء وإضعاف أوراقها الخارجية من خلال افتعال الأزمات.
رابعاً: لا يزال المواطن العربي البسيط في مشرق كل يوم جديد بعد الثورة ينتظر الربيع الموعود في دولته الواعدة.. ينتظر تطبيق الديمقراطية بشكلها الكامل الذي يكرس له العدالة والحرية وحقوق الإنسان وتحقيق الحلم الذي تأخر عليه كثيراً.
أستخلص مما سبق أن التغيير الشامل والمؤسسي يستلزم أن يكون مرحلياً متأنياً ونابعاً من رؤى اقتصادية وسياسية بعيدة المدى وليست وقتية ومتعجلة، ليمكن بعدها التأكيد على أن الربيع العربي علامة تاريخية فارقة بكل ما يحمله من دلالات ومعنى وليس مجرد ربيع وهمي.