مهما اختلفنا حول نتائجها العسكرية والسياسية على المنطقة كلها، تظل حرب السادس من أكتوبر 1973م/ العاشر من رمضان 1393هـ ذكرى مجيدة ليس للإنسان المصري بل ولكل عربي ومسلم تسرطن في وجدانه الورم الصهيوني الخبيث!

وهي فرصة فنية قدم فيها المصريون دروساً في حب الوطن ونماذج في التعبير عنه، فأثناء الاحتلال البريطاني استلهم الشاعر الأزهري/ "محمد يونس القاضي" نشيد: (بلادي بلادي بلادي/ لك حبي وفؤادي) من خطبةٍ شهيرة للزعيم القومي الفصيح/ "مصطفى كامل"، ولحنه الزعيم الموسيقي الأعظم/ "سيد درويش" وشدا به في مظاهراتٍ شعبية عارمة ، قبل أن يعتمد نشيداً وطنياً منذ 1979م بعد أن أعاد تلحينه وتوزيعه / "محمد عبدالوهاب"، الذي لحن أول نشيد "جمهوري" في عهد الثورة، حيث فجر "كامل الشناوي" الكبت الجماهيري آنذاك:

كنت في صمتك مرغم* كنت في صبرك مكره

فتكلم وتألم * وتعلم كيف تكره!

وهو انقلاب حقيقي على النشيد السابق له (اسلمي يا مصر)، للأديب التراثي المحافظ "مصطفى صادق الرافعي"! وسرعان ما تكلم المصري وتألم، وتعلم كيف يكره لتحل موسيقى أغنية (والله زمان يا سلاحي) لأم كلثوم، من كلمات "صلاح جاهين"، وتلحين "كمال الطويل" مكان النشيد الوطني بعد أن اختزلت الثورة مصر بتاريخها الحافل في شخص الزعيم الأوحد؛ وظل الفن يردد ولكن على لسان الأوحد ما غيره: (مصر يا أم البلاد/ أنتِ غايتي والمراد).. (ذي يدي إن مدت الدنيا يدا).. (فليقل كل فتى إني هنا) ويختمها بلازمة على لسان ثمانين مليوناً: (وعشان كدا احنا اخترناه)!

ومات زعيم أوحد، وقتل آخر، وسجن الأخير، وعادت الروح المصرية الوطنية العامة، فكان احتفال "المجلس العسكري" بيوم العبور العظيم 6 أكتوبر2011 أوبريتاً ملحمياً بسيطاً يعرض تاريخ الجيش المصري المحترف منذ قرنين من الزمان دون تمجيد لأي شخص غير "أم الدنيا"!

أما الأسبوع الماضي فقد عادت الخطابة، ولكن دون "مصطفى كامل" ولا "سيد درويش"، ولم يكن ينقصها إلا المقطع الشهير "لعبد الحميد كشك" وهو يقول استعداداً للصلاة بعد الخطبة: "اعتدلوا.. استقيموا.. الإخوة المخبرين يرجعوا ورا.. عشان يوسعوا للناس اللي جاية تصلي بجد"!!