بمزيج من الفرح والتوتر توجهت جموع المصريين منذ الصباح الباكر إلى صناديق الاقتراع، في كافة محافظات مصر، وكل منهم حريص على صوته والإدلاء به في سرية تامة، حتى يحظى الشعب المصري لأول مرة في تاريخه بانتخابات حرة نزيهة، ومن ثم يتذوق طعم الديموقراطية التي حرم منها لسنوات طوال.
في الإسكندرية، وفي لجنة بمدرسة صلاح الدين الدسوقي بحي سيدي بشر، كانت وفاء محمد إبراهيم ترتيبها الخامس في صف النساء عندما حضرت بعد عصر اليوم. وتقول وفاء ذات التاسعة والثلاثين من العمر "لم أستغرق وقتاً في الإدلاء بصوتي أكثر من دقيقتين داخل اللجنة.. تحقق القاضي من بطاقتي الشخصية، وتسلمت الكشف لاختيار مرشحي المفضل، والذي لن أفصح لكم عنه!!، وأدليت بصوتي وراء الستار، وكنت قد عزمت اختياره منذ أيام بالفعل بعد مشاهدة المناظرات المتعددة التي أقيمت على شاشات الفضائيات.
وأضافت وفاء، "أشعر بسعادة بالغة.. فلم أكن أتصور أن هذا اليوم قد يأتي وأنا على قيد الحياة"، وتلألأت دمعات الفرح بين جفني وفاء.
وفي القاهرة، وفي لجنة مدرسة جمال عبد الناصر بحي الدقي وصل بعض الناخبين قبل ساعة من موعد فتح مكتب الاقتراع حيث اصطف الرجال والنساء في صفين متجاورين تحت أعين جنود الجيش المسلحين.
رانيا محمد كان ترتيبها الثاني في الطابور لكنها حتى هذه اللحظة كانت لاتزال مترددة بين اثنين من المرشحين. وقالت المرأة التي تبلغ السابعة والثلاثين من عمرها وترتدي سترة رمادية وتضع وشاحا خفيفا على رأسها يظهر منه قرط من اللؤلؤ "سأقرر عندما استلم بطاقة الانتخاب". وأضافت ضاحكة "يمكنكم القول إن قلمي هو الذي سيحدد".
وتابعت "إنني سعيدة جداً لأننا نختار أخيراً رئيساً".
وفي صف الرجال، يقول الناخب المسيحي نبيل جرجس (62 عاما) إنه فكر طويلاً قبل أن يستقر على المرشح الذي سيعطيه صوته.
ويضيف "صليت هذا الصباح وطلبت من الرب أن يرشدني إلى الاختيار الصحيح" لكنه رفض أن يفصح أمام الناخبين الآخرين عن المرشح الذي اختاره أخيرا.
واكد "لم أفكر قبل الآن في التصويت لأنه لم يكن لدي أي ثقة في العملية الانتخابية لكننا الآن نعيش عهدا جديدا، وأتمنى من الرب أن يكون الآتي أفضل لكنني أشعر بالقلق من الإسلاميين" الذين سيطروا على البرلمان من خلال الانتخابات التشريعية.
وداخل المدرسة التي تغطي جدرانها، التي تساقط الطلاء عن أجزاء كبيرة منها، ملصقات تعليمية يتابع أحد القضاة سير عمليات التصويت مقدما بطاقات التصويت للناخبين بعد أن يأخذ منهم بطاقة الهوية.
وخلف ستارة من القماش يسجل الناخبون خيارهم قبل أن يضعوا الاستمارة في الصندوق.
وعند إسقاط الاستمارة في الصندوق بعد وضع العلامة على المرشح المختار تتوقف امرأة تغطي شعرها بوشاح أخضر اللون لبرهة كما لو أنها تريد الاستمتاع أكثر بهذه اللحظة.
وفي النهاية أكملت وضع البطاقة قبل أن تغمس إصبعها في الحبر الفوسفوري وتسترد بطاقة هويتها.
وأمام المكتب وقفت أمينة إبراهيم (24 سنة) من فريق المراقبة التابع لمرشح الإخوان المسلمين تحصي عدد الناخبين الذين اقترعوا في هذا المكتب المسجل به أكثر من 4 آلاف ناخب.
وتلمع عيناها، وهي تتحدث عن تجربتها الأولى في التصويت في انتخابات رئاسية وتقول "لا أكاد أصدق أنهم ينتخبون رئيسنا. لا أجد كلمات تصف ما أشعر به من سعادة حقيقية".
المهندس أحمد جمال يبدو مبتسما وهو يخرج من مكتب التصويت والحبر الفوسفوري يغطي أحد أصابع يديه ويقول "من الممتع حقا الإحساس بالقدرة على اتخاذ القرار".
وبين الحين والحين تنهر القاضية المشرفة على اللجنة المراقبين عن التحدث إلى الناخبين الذين بدا بعضهم حائراً. ويقول ناخب مسن من وراء ستار غرفة التصويت "هل أستطيع اختيار أكثر من اسم واحد؟" فترد القاضية "ماذا تقول؟ بالطبع لا. هل تريد رئيساً أم رئيسين؟".