المقامات جمع لمقام أو مقامة، وقد ورد ذكرها في الشعر الجاهلي، يقول زهير: وفيهم مقامات حسان وجوهها وأندية ينتابها القول والفعل، والمقامات تعني الحكاية والمجالس والموعظة والخطبة والبيان والأقاصيص، وقيل سميت بالمقامات لأن الرجل كان يقوم في المجلس فيحض على الخير ويصلح بين الناس، ولها أسلوب رشيق مزخرف بالسجع وألوان البديع، مرصع بالحكم والنوادر والأمثال، ذكر ذلك الدكتور عبدالهادي حرب في موسوعته "أدب المحتالين" وقد أجمع المشتغلون بالأدب على أن بديع الزمان الهمذاني هو المنشئ الأول لهذا الفن من القول، وهو الذي أطلق عليها هذا الاسم، يقول الحريري في مقدمة مقاماته: "وبعد فإنه قد جرى ببعض أندية الأدب الذي ركدت في هذا العصر ريحه، وخبت مصابيحه، ذكر المقامات التي ابتدعها بديع الزمان وعلاّمة همذان" فهذا اعتراف صريح من الحريري أشهر كتاب المقامات بأن الهمذاني هو المنشئ الأول لهذا الفن، ولا يكتفي الحريري بهذا القدر، بل يعلن بأنه عاجز عن اللحاق بالهمذاني، وقد عارض بعض الباحثين من العرب والمستشرقين مقولة الحريري عن الهمذاني كسباق في هذا المضمار، أما حول نشأة المقامات وأصلها وهل هي عربية أم فارسية؟ فقد ذكر الدكتور حرب أن البعض يذهب إلى أن أصل المقامات فارسي، نظرا إلى أن البديع ولد ونشأ وأملى المقامات في نيسابور، وأدار كثيرا من حوادثها في أراض فارسية، ولكن الدارسين والباحثين المحققين أثبتوا أن البديع أولا ليس فارسي الأصل، وإنما هو عربي متعصب للعرب وليست الفارسية ثقافته، وقد ذكر المنصفون أن المقامات لم تعرف في الأدب الفارسي إلا بعد البديع بزمن طويل، حين بدأ بكر البلخي بإنشاء مقاماته سنة 551هـ، أي بعد وفاة البديع بأكثر من قرن ونصف القرن، وهي أول مقامات في الفارسية، يقول محمد بهار في كتابه عن تاريخ تطور النثر الفارسي أن القاضي البلخي أراد أن يقلد البديع والحريري، ولكنه تأثر ببديع الزمان وقلده أكثر، فهذا فارسي يعترف بإمامة البديع ومقاماته العربية، أما نسب الهمذاني فيذكر الدكتور ضيف أن البديع عربي من أسرة عربية كريمة استوطنت هناك، فهو عربي مضري تغلبي، ويقول الهمذاني عن نسبه "اسمي أحمد وهمذان المولد وتغلب المورد ومضر المحتد".

وهذا نموذج لإحدى المقامات الرحبية التي يدفع بها شاب التهمة عن نفسه أمام القاضي فيقول: "والذي زين الجباه بالطرر، والعيون بالحور، والحواجب بالبلج، والمباسم بالفلج، والجفون بالسقم، والأنوف بالشمم، والخدود باللهب، والثغور بالشنب، والبنان بالترف، والخصور بالهيف إنني ما فعلت.......".