رسالة لا تتجاوز السطر وصلت إلى الهاتف النقال الخاص بفاطمة فرحان تقول "مبروك لقد فزت للتو بمبلغ مائة ألف ريال، ما عليك سوى الاتصال بالرقم (...) لتستلم جائزتك".

تقول فاطمة: "فوجئت بهذه الرسالة، وفرحت في البداية، وحلمت بالحصول على ذلك المبلغ، وعلى الفور بادرت بالاتصال المرة تلو الأخرى بالرقم المذكور، علني أحصل على الجائزة، ولكن دونما فائدة، وبعد محاولات عدة أصبت بخيبة أمل، خاصة بعدما أنفقت على الاتصالات مبلغا كبيرا كنت أدخره لمساعدة أهلي في دفع الرسوم المدرسية لشقيقي".

حلم فاطمة تبدد، وأصيبت بالإرهاق النفسي وهي تحلم بالجائزة الكبرى كما نصت الرسالة المجهولة، كثير مثل "فاطمة" مصابون بهوس المسابقات، تسيطر عليهم أحلام الثراء السهل، فيهدرون في سبيلها الأموال الطائلة، ورغم خسائرهم المتوالية يتعلقون بأمل وهمي.

والسؤال هو لماذا انتشرت تلك الرسائل بشكل كبير في مجتمعنا، ولماذا يتم تصديقها، وما الأثر النفسي الذي قد ينتج عنها، وكيف السبيل إلى توعية الناس من الخوض في تلك المغامرات، وكيف نصنف العبث بأحلام البسطاء خاصة أنه جريمة تطال المشاعر ولا يعاقب عليها القانون؟

العشرينية سارة (طالبة في المرحلة الجامعية) لا تعير اهتماما بهذه الرسائل حيث تقول: "تلك الرسائل عملية نصب واحتيال منظمة من وجهة نظري، فلا يمكن لأي شخص أن يمتلك المال والثروة بكل بساطة وسهولة، وعلى الناس أن يعوا أن مثل تلك الرسائل ما هي إلا وسيلة استغلال لا يعاقب عليها القانون، ولعب بعواطف الناس خاصة من شريحة البسطاء الذين قد يتبعونها، ويركضون خلفها، إلى أن تتراكم عليهم الديون، وهم يجرون وراء سراب".

وتصف والدة ماجد (طالب في المرحلة الثانوية) معاناة أسرتها جراء تلك الرسائل حيث تقول: "بدأ ولدي فجأة يكثر في طلب النقود، وكان يدعي كل مرة أنه يحتاجها لشراء متطلباته المدرسية، أو لعمل عدة أنشطة لينال الدرجات".

وتابعت: "ارتفع سقف طلبات ولدي بالتدريج ، حتى أصبح يستولي على مصروف أخوته الذين تعاطفوا معه، وأصبحوا يزودونه بمصروفهم اليومي، وما هي إلا أيام حتى أخبرتني أخته الصغرى أن ولدي وصلت إليه رسالة مفادها" مبروك ربحت سيارة من طراز ( بي أم دبليو) ماعليك سوى الاتصال لاستلامها".

وتابعت أم ماجد قائلة: "وهنا عرفت سبب لهفة ولدي للحصول على النقود، وعلمت بأنه وقع ضحية تلك الرسائل التي أرهقت ميزانية أسرة بكاملها، والغريب أن تأثير هذه الرسالة امتد إلى إخوته، فأصبحوا يحرمون أنفسهم من المصروف، وهمهم فقط شحن جوال الأخ الذي سيربح جائزة السيارة، ويأخذهم برحلة في عالم الأحلام".

فواز الحماد مصاب بهوس المسابقات، ولم يربح مرة واحدة من كل المسابقات التي اشترك بها، حاول أن يتخلص من هذه العادة المدمرة، وتوصل أخيرا إلى حل مثالي لتجنب الوقوع في فخها، حيث يقول: "خسرت أموالا طائلة في اتصالات بأرقام إعلانية تعدني بالفوز بجوائز فخمة كسيارة، أو فيلا، أو رحلة حول العالم، ولكن دون جدوى، إلى أن توصلت إلى الحل الأمثل، وهو عند وصول رسالة في مقدمتها مبروك أبادر بمسحها على الفور بحيث لا أضعف أمام المغريات".

وأضاف وهو يبتسم: حتى إنني أذكر وصلتني رسالة في مقدمتها "مبروك"، ولم أنظر إلى رقم المرسل، فمسحتها فورا ظنا مني بأنها من تلك الرسائل، وفوجئت في اليوم التالي بمديري في العمل وهو يعاتبني لعدم الاكتراث برسالته، حيث كان مفادها أنه يبارك لي نظرا لحصولي على ترقية في العمل مما أوقعني في الحرج".

وأكدت اختصاصية الاقتصاد سهام الوايلي أن تلك الرسائل الخادعة تلعب بمشاعر الناس، وأنها تدخل في نطاق الجريمة التي يعاقب القانون عليها، مضيفة أنها قد توقع الفرد في مشاكل اقتصادية لا حصر لها، خاصة أن الفئة التي تقبل عليها من الشباب والمراهقين، فقد يرهقون أسرهم ماديا حتى يستطيعوا الاتصال بالأرقام المعروضة، وغالبا ما تكون النتيجة خاسرة".

ونصحت بتجاهل تلك الرسائل الوهمية التي تحتوي على مثل تلك البيانات، وقالت: "على الفرد أن يعي تماما أنه من المستحيل أن يفوز هكذا بسهولة دون جهد، وألا يشترك إلا في المسابقات التي تنظمها جهات موثوقة، وتكون تحت رقابة الأجهزة المختصة، كالغرف التجارية مثلا، وشددت على دور التوعية بشتى الوسائل خاصة في المدارس لفئة المراهقين.

ويقول أمين عام الغرفة التجارية بالجوف مزيد المزيد إن "تلك الرسائل غير المرغوب فيها تستنزف أموال المواطنين، وتضرب الاقتصاد، وعلى المستقبِل ألا يعير انتباها لمثل تلك الرسائل التي يتضح من آليتها أنها غير موضوعية ويتوشحها عالم من الغموض الذي ينتهي إلى الخسارة حتما".

وأضاف أن "هناك فئة معينة من الناس قد تقع فريسة لمثل تلك الرسائل وأغلبهم من شريحة المراهقين، الذين يحلمون بالثراء السريع دونما بذل أي جهد".

ونصح المزيد بتوخي الحيطة والحذر من هذه النوعية من الرسائل، وعدم المغامرة والخوض في مراحلها التي ستؤدي حتما إلى نتائج غير مرضية".

وأكد المزيد على ضرورة أن يترافق إيمان الإنسان بالمثل القائل" القناعة كنز لا يفنى" مع التطبيق على أرض الواقع، وأن يتعايش المرء مع وضعه الاقتصادي والاجتماعي بالطرق المشروعة، وإن كان من محبي الخوض في المسابقات، فلا بد من أن تكون المسابقة لها آليتها التي تضمن لنا نسبة الربح، وأن تكون مراحلها موضوعية، وتدخل فيها الترشيحات، والتي تضمن لنا النتائج النزيهة والصادقة".