أتساءل – ونحن في العقد الثالث من عصر الشكشكة – هل ستنجح فكرة إحياء برنامج طربي أصيل؟
أتساءل، وفي خلايا الذاكرة، برنامج: "وتر وسمر"، الذي كان ينهض به إعداداً وتقديماً، الغائب عن الشاشات البهرجية، والحاضر في قلوب محبيه وعيونهم وأسماعهم: جميل محمود.
حينها كان "العم جميل" يملأ الأسماع والأبصار، وهو يستخرج الكنوز الفنية من أزقة الحارات، ودهاليز الغياب، ويعلمنا أن للفن تاريخاً ورواداً وأساتذة ورواة وقواعد يجهلها فنانو وفنانات "أبو ريالين"، من الداخلين إلى عالم الغناء، عبر أبواب لم يدخل منها قبلهم إنس ولا جان، وهي أبواب الصدفة والتبني الإعلامي ومسابقات "صوّتوا لي" إذا أعجبكم صوتي... أووووه... عفواً، أقصد: إذا أعجبكم شكلي وقشرتي وبشرتي و"كشتي"..
في عصر "وتر وسمر"، كان الفن ملاذ الأرواح، ومأوى الأفئدة، ومستراح المشاعر، وذلك قبل أن تولد أجيال "الراب المقلد"، و"السامبا المغشوشة"، بل وقبل أن يصبح الغناء فنا بصريا لا تعنيه المشاعر، بقدر ما تهمه مخاطبة الغرائز، لأن الداخلين إليه من شقوق الجدران، وعبر تصدعات الذائقة لا يعرفون – في الأصل – شيئاً اسمه الوجدان.
أتساءل: هل ستنجح – الآن - فكرة تقديم برنامج طربي أصيل؟ أتساءل وأنتم تعلمون الإجابة وتستعجلونها وتوجزونها في: "لا" و "لن" و "مستحيل"، وكأن التردّي خلف المتردّيات صار واقعا لا مفر منه إلا إليه.
التجربة مخاطرة، والنكوص عنها نكوص مضاعف، وهي مخاطرة لأن الدنيا صارت لاذعة جدا؛ فمن لم يعجبه شيء، أو في نفسه شيء، فما عليه إلا أن يستقوي بألسنة حداد، ويستحدث "هاشتاق" عنوانه: "غبار _ الفن#" أو "ديناصورات_ الطرب#"، ولن يتورع المستعرضون عن تجميع الشتائم والسخريات وأشياء أخرى، لتُصب على رأس ذي الهدف النبيل.
لست أدري، ولن أدري، ولا أظنكم تدرون دراية كاملة، فـ "تكفون دلوني"..